التمويل غير الرسمي

اقتصادية 2019/02/10
...

محمد شريف أبو ميسم
 
من بين أهم المحاور الضامنة لعدم لجوء الجمهور الى الوسائل غير الرسمية في التداولات والتعاملات المالية، هو وجود خدمات مالية تكون بمتناول الجميع ومن دون تعقيد عبر القنوات الشرعية ممثلة بالمصارف المجازة، وبما يضمن تقديمها وفق إجراءات سلسلة تسهم في تكريس الثقة بين الجمهور وهذه المصارف التي ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار كلف العمليات المصرفية بأقل الأسعار وتخطي حلقات الترهل والبيروقراطية أثناء تقديم الخدمات، وبما يسهم في سحب الكتلة النقدية المكتنزة لدى الجمهور أو تلك التي يتم تداولها خارج مساحة التداول المصرفي من دون أن تخضع لأية رقابة وإشراف في التداولات والتعاملات الرسمية.
اذ ان اسلوب التداول غير الرسمي للأموال، لا يقف ضرره عند احتمالات تعرض الجمهور لحالات نصب أو فرض رسوم مبالغ فيها وحسب، وانما يمتد هذا الضرر ليلحق الأذى بمساحة التداول المصرفي ويخلق الارباك في مشهد الاقتصاد الكلي، حين تبقى كتلة كبيرة من النقد الصادر خارج مساحة هذا التداول.
اذ توظّف المصارف بمختلف أنحاء العالم كل امكانياتها للوصول إلى الشرائح المجتمعية التى لا يوجد لها تعاملات مصرفية، خاصة الشرائح منخفضة الدخل، عن طريق تقديم خدمات مصرفية تتناسب مع احتياجاتهم، وبالتالي السعي نحو تحقيق تنمية اقتصادية من خلال تدوير النقد الصادر في ساحة التداول المصرفي وتوجيه الائتمان باتجاه أهداف اقتصادية حقيقية.
وعلى الرغم من سعي البنك المركزي منذ نحو عامين باتجاه تكريس أدوات الشمول المالي، ومحاولة الزام المصارف بتقديم التسهيلات للجمهور وحمايته من خلال اختزال حلقات الترهل في تقديم الخدمات المصرفية واعادة الثقة بين هذه المؤسسات والجمهور، فضلا عن توظيف العديد من التقانات والبرامج الألكترونية في نظم تقديم الخدمات، الا ان فئات عديدة من الجمهور مازالت تخوض خارج المساحة المصرفية للتداول، جراء استمرار العمل بالأساليب الروتينية والتعقيدات في العديد من المؤسسات المالية، وعدم تطبيق مفردات "الشمول المالى" المتاحة، بما يتناسب مع واقع احتياجات الفئات المجتمعية. 
وخير دليل على ذلك ما أفرزه واقع التداولات مؤخرا من خلال الحاجة الملحة لحاملي بطاقة الدفع الالكتروني للتمويل والذي يشكل المتقاعدين غالبيتهم، حيث يقوم أصحاب بعض مكاتب الدفع بحجز بطاقة المتقاعد مقابل منحه قرضا قد يصل الى عشرة ملايين بنسب فائدة تصل الى نحو 10 بالمئة ثم يقوم صاحب المكتب شهريا بتسليم راتب المتقاعد بعد استقطاع القسط الشهري مع نسبة الفائدة على القرض، وهو اسلوب تمويل مشابه لما تقوم به المصارف مع فارق بسيط يتعلق بعدم وجود التعقيدات في منح القرض. وهذا ما جعل الجمهور يلجأ الى اسلوب التمويل غير الرسمي.