{كم تأخر الزمن}.. رواية أحدثت ضجة

ثقافة 2021/04/21
...

 هدية حسين
يستيقظ فيجد نفسه في غير مكانه، ينتعل حذاء قديماً غير حذائه، وبنطلوناً غير بنطلونه، رأسه ضاج وجسمه يؤلمه، حتى محفظته سرقت منه، إنه في مأزق، كل ما يتذكره أنه كان ثملا مع رجلين في الحانة فما الذي جرى؟، يتلفت من حوله فلا يرى إلا جنوداً ينظرون إليه بريبة، أراد منهم نقوداً ليعود الى البيت، لكنهم لم يهتموا لأمره، شتمه أحدهم فرد الشتيمة بأن صفع الجندي، لو لم يفعل ذلك لتغير الأمر وعاد بطريقة ما الى بيته، لكن الجنود تلقفوه وأوسعوه ضرباً ثم جرجروه ورموه في السجن...
ذلك هو المدعو سامي، بطل رواية (كم تأخر الزمن) للكاتب الاسكتلندي جيمس كيلمان، الرواية التي فازت بجائزة بوكر العام 1994، والتي أحدثت ضجة بعد فوزها بسبب انقسام الحكام في لجنة التحكيم، وهدد أحدهم بالاستقالة من اللجنة، وأعلن أن هذه الرواية تخريب أدبي، بينما يرى بعض النقاد أن جيمس كيلمان هو أفضل كاتب بعد إميل زولا، وهو أكثر الكتاب إمتاعاً، وقالت الغارديان عن الرواية (أفكار جريئة خالية من الحقائق العمياء، تتمتع بعمق فني واجتماعي 
كبيرين).
نعود الى الرواية ونتابع مأزق بطلها، فالجنود لم يكتفوا بضربه ضرباً مبرحاً، بل أفقدوه النظر وحولوه الى جسد شبه ميت، كيف سيعود الى بيته، الى هيلين صديقته التي يحبها ويعيش معها، هل ستعرف بما حل به، من يخبرها وكيف ستتصرف، وهل سيستعيد نظره؟، إنه يسمع صراخاً في الزنازين المجاورة، وسمع من أحد السجناء أنهم خنقوا شاباً في السابعة والعشرين من عمره، جلسوا على صدره ومنعوا عنه الهواء ثم كتبوا بتقاريرهم بأنه مات بنوبة قلبية، هل سيفعلون معه الشيء نفسه؟، وإذا ما خرج ماذا سيفعل مع عماه في بلد كل شخص فيه يمكن شراؤه بالمال وهو المفلس؟، هل يمكن أن تكون الحياة بهذا الضيق؟، يتسيّد في هذه الرواية ضمير المخاطب فيما يشبه الثرثرة مع النفس، وتتوالى الحوارات الداخلية أو مع بقية الشخصيات بتفاصيل صغيرة يبني منها جيمس كيلمان معمار عمله هذا، يستخدم بكثرة على لسان بطله كلمات خارجة ونابية، هذه هي شخصية بطله، فلولا أنه تلفظ أول الأمر بكلمات غير لائقة لما كانت هذه النتيجة، والآن هو رجل مفلس وأعمى ومُهان، إنه يتوجس منهم مع كل حركة على باب زنزانته، أخضعوه قبل ذلك لاستجواب، طرحوا عليه عشرات الأسئلة عن وقائع لا يعرفها، من كان معه في الحانة، من قابل هناك، ماذا يعرف عن الناشط السياسي روبرتس، اتهموه بالسرقة، سألوه عن هيلين، قالوا له بأنها مختفية ولابد أن يعرفوا مكان اختفائها، وبعد كل استجواب يرمونه الى
 الزنزانة.
بعد أيام خرج من السجن، لم يعطوه بعض المال لكي يصل الى بيته، راح يتلمس الطريق مستنداً الى الجدران، يطلب المساعدة من المارة، لا يعرف المكان الذي هو فيه وبيته صار بعيداً يحتاج الى مبلغ من المال لكي يصله، وسيصله بعد عناء كبير أبدع المؤلف في تصويره، وظن بطله أنه سيجد هيلين بانتظاره، لكنه لم يجد ولا يعرف مكانها، وبدت مفردات الحياة صعبة يحاول قدر ما يستطيع أن يتعلم أماكن الأشياء باللمس، عالم أظلم وحياة لا تطاق، عليه أن يصنع عصا يتوكأ عليها، وعليه أن يعد طعامه بنفسه ويصغي لكل صوت فقد يعودون إليه ويعيدونه الى السجن بأية حجة، لم يعد يثق بمن يكلمه، كل شيء مشكوك به ما لم يحدث العكس، حتى مع الوكيل الذي تابع قضيته ليحصل له على تعويض نتيجة عماه، فقد يكون واحداً منهم، واحتاج الى وقت طويل ومجادلات لكي يثق به، على الرغم من أنه يعلم أن التعويض سيعيده الى ملف السجن وقد يلفقون له تهمة جديدة، عليه أن يتطامن مع ما هو عليه وإلا سيفقدونه عقله، وعليه أن  يذهب الى طبيب عيون، وهذا الأخير ظل يناقشه كما لو أنه يستجوبه، لابد من تبيان سبب العمى، متى وكيف ولماذا، حلقة مغلقة تدور به وتعيده الى الزنزانة.
ولكن أين اختفت هيلين، إنه يتساءل وسط هذا التيه، ويأتون إليه ثانية ليسألوه عنها، يوهمونه أن أمراً سيئاً حدث لها، يذهبون وتظل أشباحهم تطارده (لا يحق لك التجول، لا يحق لك التنفس، لا يحق لك فتح فمك، يجب أن تقف في الصف ولا تتحرك) ص384.. ترى متى سيكفون عن ملاحقته؟ لقد اهتدى الى الحل بعد جولات من المطاردات والمناورات، فما هو هذا الحل، وهل سينجح؟.