عن «العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير»

ثقافة 2021/04/25
...

  حسب الله يحيى
 
العنف والقسوة والأساليب الخشنة.. في التعامل البشري، لها حضور في جذر الطباع البشرية منذ بدء 
الخليقة. 
هذا الجذر وإن خلد للسكينة والنعومة أحياناً إلا أنه ظل يرافق مسيرة الانسان مهما تحضّر زماناً ومكاناً.. ذلك ان قدرة الانسان هذا على السكينة مرافق للوعي والنباهة، بينما كانت اعمال العنف هي الأكثر حضوراً في المجتمعات المتخلفة، وقد تكون أدوات العنف الحديثة، اكثر اغراء وفتنة وقبولاً لدى الشبيبة التي ترى في هذه الأدوات امتيازاً في التخفي وسهولة في الاستخدام.
ولأن العنف، ظاهرة بارزة في كل المجتمعات وفي كل الأزمنة، وجدنا في مسرحيات شكسبير رصداً ومعالجة تمكن د.فاضل سوداني من تسليط الأضواء عليها بتفاصيل دقيقة ورؤى دؤوبة، اختزن النصوص والعروض الشكسبيرية وفي بلدان عديدة، كان فيها د.فاضل سوداني شاهدا وقارئا وناقدا كذلك.
بينما كانت معظم الكتابات النقدية والتحليلية تعتمد أحد الجانبين: اما النص او العرض، وامتياز المؤلف في كتابه: "العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير" جمعت بينهما زماناً ومكاناً، كتابة ورؤية.. وهو الامر الذي جعل من هذا الكتاب مرجعاً مهماً في مناقشة ورصد هذه الظاهرة التي باتت تخيم على البشرية وعلى نطاق واسع.
واذا كان المؤلف يرى في (العنف) و(الفوضى المنظمة) حضوراً سلبياً موحداً، فإن أمر (الفساد الإداري والمالي) و(الجريمة) كذلك تعد ممارسات لا تقل فداحة عن سواها.. ذلك أن الفوضى تعني غياب القانون، وهذا الغياب من شأنه ان يكون حافزاً للفوضى التي باتت تجد لها (نظاماً) تفرضه قسراً على الآخرين تحت مسوغات شتى وأساليب متعددة.
من هنا نجد أن السؤال الذي طرحه د.سوداني في مطلع كتابه: "هل ما زال بالإمكان إنقاذ إنسانيتنا وحضارتنا.. ام انهما محكومتان بالخراب والتحلل بصورة لا يمكن إصلاحهما 
بعدها؟". 
يبدو سؤالاً محفوفاً بالعقبات والمخاطر، ذلك ان اعمال العنف تظل لها القوة والسطوة والهيمنة الخشنة على الشعوب، في حين الأمن والسلام والطمأنينة.. هي من الذهنية التي تضع القوانين العادلة.. وهو امر للتنفيذ وليس للتدوين 
المجرد.
ونعود الى شكسبير ومسرحياته التراجيدية التي ناقشها المؤلف وهي: (روميو وجوليت، ماكبث، الملك لير، هنري السادس، هاملت، ريتشارد 
الثالث). 
والواقع ان هناك مسرحية لشكسبير تحمل عنوان "تيتوس اندرو نيكوس" هي الأكثر عنفاً ودموية من سائر أعماله، الا ان المؤلف تجاوزها ولم يشر اليها لا من قريب ولا من بعيد، ربما يعود الامر الى انه كتب عن نصوص وعروض بعينها ونشرها في دراسات مستقلة عن بعضها ونشرها موحدة في هذا الكتاب، وأغفل مسرحية "تيتوس اندرو نيكوس" التي تشكل المحور الأهم والاساس للعنف المسرحي الشكسبيري.
ويرى د.فاضل سوداني ان: "طغاة عصرنا يرفضون شكسبير جهاراً، لانهم يخافونه اولاً، وثانياً لأنه العقل القادر على كشف خططهم السرية والمعلنة في العنف والتدمير والتخريب للذات والمجتمع على مختلف الأزمنة، ولكنهم يحبذونه ويشيدون بعبقريته سراً عندما ينفردون مع أنفسهم".
نعم.. الطغاة يخشون العقل والابداع وان كان سلاحهما الكلمة او المنظور، الا انهم يدركون جيداً ان العقل هو المحفز الأساس على الحركة والمواجهة.. ولا عليهم من (العبقرية) فهذا شأن يعني صاحبه وان أعجبهم وأبهر وجدانهم ولكنه في نهاية الأمر على الضد منهم.
وفي تفاصيل المسرحيات التي ناقش فيها المؤلف موضوعة العنف، استعرض ما صدر من كتب في هذا الجانب وفي المقدمة منها كتاب "التراجيديا الشكسبيرية" لمؤلفه: أ. س. برادلي وهو الكتاب المؤسس لدراسة شكسبير تراجيدياً، والعنف يقع في صلب هذه التراجيديا التي رافقت اعمال وعروض مسرحيات شكسبير. 
ولأن المؤلف اكاديمي وعلى دراية بكل أجزاء العمل المسرحي؛ فإننا نجد في ما قدمه في هذا الكتاب العميق، علامة تتفرد بمكانة محترمة في الدراسات الاكاديمية والنقدية الباذخة في درايتها ووعيها وجزيئاتها وانتباهتها في تسليط الأضواء على الجوانب المعتمة للعنف وأساليبه الوحشية المرّة والتي تعاني منها شعوب الأرض ماضياً وحاضراً وربما مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر..!
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير/ د.فاضل سوداني. اصدار دائرة الثقافة والاعلام- الشارقة 2015.