مجاناً .. لحين التعيين !!

آراء 2019/02/11
...

د. حسين القاصد 
 
ظاهرة غريبة جدا، انتشرت مؤخرا، لا سيما في سنوات التقشف المقيتة، وهي العمل بلا راتب في بعض دوائر الدولة؛ وأغرب ما في هذا العمل هو ان العاملين عليهم الالتزام التام بالداوم وإلا يفصلون من الوظيفة التي هي بلا راتب أصلاً!!؛ لأنه لا توجد عقوبة أخرى توجه للذي يعمل بلا راتب، اذ ليس من المعقول أن يهددوه بقطع راتبه!!، ومع هذا فالعاملون وفق هذا المبدأ يلتزمون وينفقون اجور نقل وطعام، ولايقصرون في عملهم، لاخوفا على الراتب الذي لايتقاضونه أصلاً، بل خشية ضياع أملهم في  التعيين.
   انتشرت هذه الظاهرة في دوائر عدة، منها دوائر البلدية وامانة بغداد، واغلب العاملين وفق هذا المعيار هم من عمال الأجر اليومي الذين لايتقاضون أجراً، لكنهم مؤملون بالتعيين حين تطلق الدرجات الوظيفية؛ واذا كان هذا الأمر يجري مع عمال الخدمات وبعض الذين لا يحملون شهادات وكل أملهم ان يحظوا بوظيفة تمكنهم من الاستمرار في الحياة فإنّ شريحة من حملة الشهادات يعملون محاضرين في المدارس ويئنون تحت سياط الوعود بتعيينهم، ويلتزمون مع تلامذتهم ولاينقطعون عن أداء مهمتهم، لكن اغلبهم يعمل مجانا لحين توفر فرصة
 للتعيين!!. 
  ان الدائرة الخدمية التي تشغل عاملا أجيراً من دون راتب، بسبب عدم وجود الدرجات الوظيفية، لاشك في انها بحاجة لخدماته؛ وان المدرسة التي تستقطب محاضرا مجانيا، لا شك في انها بحاجة له ولامكانيته العلمية وشهادته؛ ولعل من شروط التعيين الحكومي - اداريا - هو احتياج الجهة المشغلة لخدمات من تستقطبه، ودائما نسشمع ان على المتقدم للتعيين ان يجلب "بيان حاجة" من الجهة التي يطلب العمل فيها؛ لكن أن تحتاجه الجهة المشغلة، وتتستقطبه، ويعمل فيها مجاناً منتظرا تعيينه، وحين تأتي فرصة التعيين يفاجأ بتعيين غيره من خارج الدائرة، وهو صاحب الاولوية في ذلك، فإن هذا الأمر يشكل مصدر احباط ويأس قاتل، ويصيب المواطن بمقتل نفسي، لأنه يجد نفسه وجها لوجه مع الغبن المباشر. 
  يتمنى العراقيون بعد ان تخلصوا من الخراب الداعشي تعويضا عن معاناتهم، ولعل ابسط اشكال هذا التعويض هو توفير سبل العيش الكريم من تعليم وصحة وخدمات، ومايكفي المرء من دخل شهري يسد احتياجاتهم؛ ومثلما استبشرنا خيرا بخطوة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيث تعيين الطالبة الأولى على جامعة الموصل مينا رغيد، بعد أن تعثر تعيينها واصطدم بالروتين للحد الذي كاد يحرمها من استحقاقها، نطالب الجميع بمنح المواطن العراقي ابسط حقوقه بالعيش الكريم وانصاف الذين اتعبت كاهلهم الحروب، لأنهم مواطنون جداً في " الضراء" ولهم كل حقوق المواطنة في " السراء" والعيش الرغيد.