ايجابيات الستراتيجية الروسية الشرق أوسطية وسلبياتها

آراء 2019/02/11
...

د. قيس العزاوي
 
 منذ الانهيار المروّع للمعسكر الاشتراكي وتفكك الوجود القانوني لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في كانون الاول عام 1991، الذي أذن باختلال توازن القوى الدولي، لم تشهد الساحة العربية نشاطا روسياً حاسماً وكثيفاً يعيد التذكير بفعالية روسية القيصرية على الدولة العثمانية، مثلما تشهده اليوم استعراضات القوة التي يمارسها الرئيس فلادمير بوتين متحدياً الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط .
   عوضاً عن ايديولوجية السوفيت والشيوعية شهر بوتين اسلحة روسيا القيصرية الدينية والعرقية محاولاً تزعم الأرثوذكسية الشرقية المنتشرة في روسيا وبلاد البلقان واليونان وعموم الشرق الأدنى، معتبراً روسيا وريثة القسطنطينية، وفي الوقت نفسه جعل من بلاده قائدة السلافية في قلب اوروبا. لقد اراد بوتين وهدف الى قلب النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وتقويض مكانتها والعودة لتبوّئ مركز قوة عظمى. وانهى بوتين تماما مبدأ "الشراكة المتكافئة" التي أقرها اجتماع الرئيسين بيل كلينتون وبوريس يلتسين المنعقد في نيسان 1996.
    لم تعد الولايات المتحدة تمتلك 99 بالمئة من اوراق اللعبة في الشرق الاوسط، كما قال سابقا الرئيس المرحوم انور السادات. نعم لم تعد سيدة الموقف في منطقتنا العربية، فقد دخلت روسيا بوتين في سوريا بحسم وقوة، ودخلت ايران في لبنان وسوريا واليمن، ودخلت تركيا في العراق وسوريا وقطر والسودان والصومال، ودخلت الصين اقتصاديا على الاقل في كل تلك البلدان وغيرها، واختلط الامر على اميركا، ولم تعد هناك سيادة كاملة في غالبية الدول العربية.
    ولكن الامر الجدير بالاهمية ان هذه الخروقات الامنية والعسكرية للدول العربية ليست كما يظن البعض سلبية بأجمعها فايجابياتها كثيرة مع ذلك، فلنعدد:
   أولاً: سمحت الاستراتيجية الروسية الجديدة بإنهاء معضلة العالم الأحادي القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة لتبدأ رؤية رئيس الوزراء الروسي عام 1998 يفكيني بريماكوف الذي قام بارساء عالم "متعدّد القطبية" تتحقق.. قطب ثان يسعى لتقويض الاحتكار الاميركي لكل مصادر القوة عربياً وتعزيز مركز موسكو عالمياً وبخاصة في الشرق الاوسط.
  ثانياً : اوقفت الاستراتيجية الروسية في سوريا عمليات الغطرسة الجوية للجيش الإسرائيلي في سماء سوريا، وهددت الطائرات الاسرائيلية التي كانت تغير على اهداف سورية بصواريخ أرض- جو من طراز S-400، وS-300 وSA-23، التي نشرتها روسيا
 هناك. 
وكما تذكر آنا بورشفسكايا من معهد واشنطن وهي خبيرة في سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط، قامت موسكو بنشر أسلحة متطورة مثل نظام الدفاع الجوي القصير المدى "بانتسير" ونظام الدفاع الجوي "ألماز آنتي" المجهز بصواريخ أرض- جو (SAM) عالية الارتفاع في قاعدة حميميم الجوية، ثم في مدينة مصياف الشمالية الغربية، إلى جانب نظام "كراسوخا" الأرضي للحرب الإلكترونية (KRET Krasukha-S4). كما نشرت أيضاً نظام الدفاع الساحلي "باستيون K-300P P" ونظام الصواريخ البالستي "إسكندر 9K720".
  ثالثاً: جذبت انتباه القاهرة تجارة السلاح والطاقة النووية الروسية، وكذلك الصفقات الاقتصادية، ومن ضمنها مساهمة السياح الروس في الاقتصاد المصري.. كما جذبت موسكو انتباه السعودية وقام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة تاريخية لموسكو في تشرين الأوّل 2017 وجرى الحديث عن امكانية بيع روسيا منظومة الصواريخ الدفاعية المعروفة "إس 400" للسعودية، وقد سبقها توقيع اتفاقيات في مجالات الاتصالات الجوية وتبادل المعلومات. وتعد الجزائر حليفة موسكو التاريخية، وهي من الشارين الخمسة الأوائل للأسلحة الروسية. وفي نهاية عام 2017 وقّعت حكومتا روسيا والمغرب 11 اتفاقية، لتحقيق التعاون بين البلدين في مجالات عسكرية وأمنية وقطاعات اقتصادية وسياسية وفي مجال الطاقة النووية والطاقات المتجددة وفي قطاع السياحة.
   رابعاً: بعد أن ساعد بوتين في انتصار الاسد يتجه اليوم الى تحقيق الاستقرار في سوريا، من خلال إعادة إعمارها، لذلك يضغط على الجهات المانحة المحتملة، وعلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص محاولا استخدام قضية اللاجئين كوسيلة ضغط. إن نجاح الاستراتيجية الروسية في سوريا هو الذي أدى الى الانسحاب العسكري الاميركي من سوريا، وسيؤدي الى العودة المحتملة لسوريا للجامعة العربية، وهو الذي دفع دول الخليج لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا دون قيد أو شرط.
    تلك هي ابرز ايجابيات الانخراط الروسي في ازمات وحروب المنطقة العربية، وما هي سوى مقدمة لانخراط اكبر ربما يفتح آفاقاً جديدة لتوازن قوى مطلوب للمنطقة أو ينذر بتدشين مرحلة حروب دامية .. وهو ما يجعلنا نتحدث عن سلبيات الاستراتيجية الروسية وابرزها:
  أولاً: ان الوجود العسكري الروسي في سوريا أسهم في توافد القوى الاجنبية وزرع قواعدها العسكرية على الاراضي العربية وتمارس هذه القواعد بدورها تأثيراتها السلبية على مناحي الحياة باسرها.
    ثانياً: تعمل القوات الروسية الى جانب القوات الايرانية في سوريا وهي معرضة لاحتكاكات عسكرية مع اسرائيل التي تعادي ايران علنا وتهددها وحلفاءها في سوريا ولبنان، وهو أمر يزيد من احتمالات العدوان الاسرائيلي المحدود او الواسع للقوات الايرانية مما سيسبب باندلاع حرب مدمرة تدخل فيها قوى دولية وبالتحديد اميركية واوروبية، وسيحول هذا الشرق الأوسط الى حلبة صراع شامل.
  ثالثاً: ان تعدد الحضور العسكري لعدد من القوى الاميركية والروسية والاوروبية والتركية والايرانية على الارض السورية يشكل، ليس فقط مخاطر يومية وانما يشكل ايضاً عوامل انتقاص للسيادة.
  وعلينا الاعتراف بأنّ الاستراتيجية الروسية كسرت احتكار اميركا للقوة وحجمت نسبياً القوة الاسرائيلية وبانتظار ان تفرض مع حلفائها الحل العادل للقضية الفلسطينية فهل ستتمكن؟.