حسين الصدر
- 1 -
انشغل أحد العلماء في تأليف كتابٍ يستعرض فيه الأدلة والبراهين على وجود الخالق فسألته أمُّه يوماً :
ماذا تصنع ؟
قال :
أنا مشغول بتأليف كتاب أثبتُ فيه وجود " واجب الوجود " فقالت :
( أفي الله شكْ فاطر السموات والأرض)
فعمد العالم الى تمزيق ما كتب ..
مكتفيا بالدليل الفطري الذي أشارت اليه أمّه ..!!
- 2 -
وجاء في سيرة الامام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) ان زنديقاً جاءه وقال له:
دلني على معبودي، وكان يُدعى بالديصاني فقال له الامام الصادق:
أجلس
فاذا غلام له صغير في كَفِّهِ بيضةٌ يلعب بها
فقال الامام الصادق :
يا غلام :
ناولني البيضة، فناوله اياها، فقال الامام الصادق:
يا ديصاني:
هذا حصن حصين مكنون،
له جِلْدٌ غليظ،
وتحت الجلد الغليظ جلدٌ رقيق،
وتحت الجلد الرقيق ذهبةٌ مائعةٌ وفضة ذائبة،
فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها،
لم يخرج منها خارج مصلح فَيُخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها (داخل) مفسد فَيُخبرُ عن فسادها.
لا يُدرى أَللذِكَرِ خُلقت أم للانثى ؟
تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مُدِّبراً؟
فأطرق الديصاني مليا ثم قال:
أشهد ان لا اله الاّ وحده لا شريك له وانّ محمداً عبدُه ورسولُه
وانك إمامٌ وحجّةٌ من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه .
أرأيتم بماذا استدل الامام الصادق على وجود الله وحكمتِهِ؟
استدل (بالبيضة) التي كانت في يد ولده الصغير ..
انك ترى البيضة ولكنك تغفل عن تركيبها، وغلافها الخارجي السميك، وغلافها الداخلي الرقيق ..
وتغفل عن البياض والصُفرة الموجوديْن فيها، وكيف أنهما لا يختلطان.
ثم انّ هذه البيضة تُخرُج لنا حين تفقس أروع ما في الطواويس من ألوان ..!!
فسبحان الله على ما أودع فيها من أدلة على عظيم صنعه وقدرته
وصدق ابو العتاهية حين قال:
ألا اننا كُّلنا بائِدُ
وأيُّ بني آدمٍ خالدُ
وبدأهُمُ كانَ مِنْ ربِّهِمْ
وكُلٌّ إلى رَبّهِ عائِدُ
وللهِ فِي كلِّ تحرِيكَةٍ
وفي كلِّ تَسكينَةٍ شاهِدُ
وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ
تَدُلّ على أنّهُ واحِدُ
فيَا عَجَبَا كيفَ يَعصِى الإلهَ
أمْ كيفَ يجحدهُ الجاحِدُ ؟
وصدق الصافي النجفي حين قال :
راح يقوى على المدى ايماني
فَبِرَبي قد امتلا وجداني
قيل لي هل عرفْتَهُ بدليلٍ
أو بحسٍ شَهدْتَهُ أو عيانِ
قلت كلا ايمانُ قلبي اقوى
من دعاوى الدليل والبرهانِ
- 3 -
وجاء في التاريخ :
انّ (علي بن ميثم) – وهو من علمائنا الكبار الذين عاصروا المأمون العباسي – دخل الى مجلس وزير المأمون (الحسن بن سهل ) واذا به يبصر رجلاً يتحدث بلهجة جاحدة مارقة ، بعيدة كل البعد عن رحاب الايمان ، فبادر – موجها الخطاب الى الوزير – قائلاً :
لقد رأيتُ اليوم أمراً عجيبا ،
أُريد أنْ أحدثكم به، فأجابه الوزير :
وماذا رأيت ؟
قال :
رايتُ باخرةً في نهر دجلة مُحمّلة بالركاب تنقلهم من ضفة الى ضفة أخرى وليس لها من ربّان ..!!
وهنا التفت الجاحد الى الوزير قائلاً لا تُصغِ الى كلام هذا الرجل،
انه مجنون فَقَدَ صوابَه ..
فسأله الوزير ولماذا ؟
قال الجاحد :
لانه يدّعي انه راى باخرةً تنقل الركاب من ضفة الى اخرى وبدون ربّان
كيف للباخرة – وهي مصنوعة من الخشب وهو جماد لا عقل له ولا روح - أنْ تنقل الركاب من ضفة الى اخـــــــــرى ؟
وهنا انتفض (علي بن ميثم) مُجيباً :
انك تعجب من أمر باخرة تتحرك بدون ربان ،
ولا تعجب من حركة المجرات والكواكب والشمس والقمر والارض بهذه الصورة المنتظمة العجيبة منذ ملايين السنين وهي جمادات لا روح لها؟!!
انك لا تتقبل تصديق سير الباخرة من ضفة الى ضفة بدون ربان وتتقبل سير تلك الكواكــــــب بدون مُدّبر ومُسَيّر ؟!
فانهزم الجاحد وغادر المجلس مذموما مدحورا .
وهكذا هم المتنكرون لحقائق الكون الكبرى التي تشير كلها الى الله الخالق العظيم الذي سخر لنا ما في السموات والأرض ، وجعل لهذا الكون نظامه المدهش الذي احتل فيه الانسان الموقع الأول متقدما على سائر المخلوقات .