رهف وسواها
في الماضي، قبل عقود من الزمن، قبل عصر السوشيال ميديا "الأكشر" كانت الأخبار الغريبة في الصحف والمجلات مفرحة أو تنطوي على مفارقات اجتماعية أوسياسية. حتى مع عصر الاذاعة والتلفزيون بقيت الأخبار الغريبة خفيفة وبعيدة كل البعد عما هو مأساوي. بل حتى مأساوي أيام زمان لم يكن مثل مأساوي اليوم.
كانت هناك اخبار عن الموت، لكن لايوجد خبر عن جريمة موت لا تخطر على عقل بشر مثلما حصل للطفلة رهف، أو قبلها مما قرأنا وسنقرأ طالما هناك استسهال لكل شيء، مما هو ليس فقط خارج المألوف بل خارج المنطق والمعقول. في الصحافة الرأسمالية كان يقال ان الخبر ليس الكلب يعض إنسان، بل الإنسان يعض كلباً.
لماذا؟ لأن المطلوب الإثارة والمفارقة معا. الإثارة في غرابة الخبر والمفارقة تكمن في تبادل الادوار بين الكلب والإنسان. اليوم صار هذا الخبر مضحكا جدا. فلقد حلت محله أخبار لا تخطر على بال أحد. في الماضي كان هناك من يسمى بـ "ملطخ هدومه بدم المجاتيل". فيما وردنا من قصص مسلية هي حكاية خلف بن أمين الذي كان يبحث عن المشاكل ويذهب الى مخافر الشرطة على أمل أن يجد أحدا قد سجل شكوى ضده.
لماذا؟ لأن المشاكل قليلة والجرائم نادرة ،إن لم تكن مستحيلة والمخافر خالية الا من حالات بسيطة جدا لا تكاد تذكر. اليوم لو عاد الزمن الى الوراء لتوارى ألف مثل خلف بن أمين عن الأنظار. فخلف إذا دخل مركز شرطة لن يخرج سالما حتى لو كان بريئا من دم الذئب. وقد يخرج مجرماً قتل مئة ذئب من ذئاب يوسف دون أن يقول له احد على (عينك حاجب).
في الماضي، قبل عصر السوشيال ميديا كان الحرامي ابن اصول لا يسرق جاره ولا ابن محلته. وإن سرق فيكتفي بما هو بحاجة اليه. وكان المتسول متسول بالفعل وليس مدعيا أو مفتريا. القاتل، حتى القاتل إن وجد فهو مضطر تحت ظروف قاهرة. حتى السلوك المشين على قلته كان أمرا نادرا وغالبا ماتدرس حالته مجتمعيا لكي لا تنتشر وتصبح ظاهرة. مع ظهور مارك زوكربيغ واختراع الفيس وما تلاه من مصائب تدخل في نطاق مايسمى التواصل الاجتماعي ،ظهرت عندنا زوجة الأب التي تعذب طفلة حتى الموت لا لشيء الا لكونها ابنة ضرتها. وأب يقتل أبناءه وينتحر. وزوجة تقتل زوجها الذي سجل باسمها كل املاكه. ومتسول يدعي إنه وزير ري سابق قبل تأسيس وزارة الري "قشمر" الحكومة والإعلام قبل أن تظهر حقيقته بمحض الصدفة. حيث ظهر إنه ثري يملك من بين مايملك بيتا في الأربعة شوارع باليرموك مساحته 700 م سعره أكثر من ملياري دينار. فضلا عن بيت في منطقة العلاوي وزوجة وأولاد.
لماذا حصل هذا كله وقد يحصل منه المزيد في المستقبل؟ لأن معادن الناس ظهرت على حقيقتها. الآن نحن في مرحلة فرز حقيقي بين الإنسان الذي يبقى محتفظا بكرامته وكبريائه مهما كانت حاجته وبين الوحش الذي يلبس قناع إنسان. الحل يكمن في تطبيق أقسى العقوبات على مثل هذه الحالات الشاذة ،حفاظا على البقية الباقية من البشر الأسوياء. طبقوا أقسى العقوبات، اقسى العقوبات رضيت هيومان رايتش ووتج أم زعلت. "زعلة كلو".