كيف تُصنع سياستنا العامة؟

آراء 2019/02/15
...

علاء هادي الحطاب 
نجاح اي عمل او مشروع مرتبط بمقدماته، فعندما تكون المقدمات سليمة ستكون المخرجات والنتائج صحيحة وهذه دالة منطقية لا جدال فيها، فكيف اذا كان المشروع او العمل هو بناء دولة ورعاية شؤون ابنائها؟ فلا بد حينئذ  من التأكد والتركيز على تلك المقدمات، واية امة او مجموعة بشرية تعيش في مجتمع  معين تحتاج الى سياسات عامة ( public polices) تدير شؤونها وتنظم حياتها وتلبي رغباتها وتحل مشاكلها.
 السياسة العامة كـ ( مفهوم )حظي باهتمام الباحثين في العلوم السياسية والادارة، لاسيما في الولايات المتحدة الاميركية وعرفه كثيرون ومنهم الكاتب جيمس اندرسون الذي عرف السياسات العامة بأنها ( العلاقة بين الوحدة المركزية وبيئتها ) او هي (تقرير او اختبار حكومي للفعل او عدم الفعل ) و (برنامج عمل هادف يعقبه اداء فردي في التصدي لمشكلة او مواجهة قضية او موضوع ) وهذا التعريف ركز على ما يتم فهمه في اطار ما يستوجب او يراد فيه تمييزا للسياسة من القرار الذي هو مجرد اختيار من بين البدائل، ورأى اندرسون بأنها :- (1)  اعمال موجهة وليست تصرفات عشوائية او عفوية تصدر عن بعض المسؤولين (2) انها برامج واعمال منسقة وليست قرارات منفصلة ومتقطعة (3) انها تشمل جميع القرارات الفعلية المتخذة وليس ما تنوي الحكومة ان تفعله او تعد لفعله (4) قد تكون السياسة العامة ايجابية في صياغتها او سلبية كأن تأمر بتصرف معين او تنهى  عن تصرف معين.
ومما تقدم يتبين لنا ان بناء الدولة ورعايتها وادارتها وحل (مشاكل - قضايا- مواضيع) المجتمع يتم من خلال دورة صناعة السياسات العامة التي تبدأ بمشكلة او موضوع او قضية تمثل مطلباً وحاجة عامة يتصدى صناع السياسة العامة سواء كانوا المباشرين في - السلطة التشريعية- او غير المباشرين - كالاحزاب وجماعات الضغط والرأي العام - وغيرها لتشريع سياسات عامة تمثل تلك الحاجات والمطالب، وتقوم الحكومة - السلطة التنفيذية- من خلال جهازها الاداري بتنفيذها ، طبعا هذا لا يعني عدم اسهام الحكومة بصناعة السياسة العامة، لكن مهمة التنفيذ تقع على عاتقها حصرا كونها من يملك ( البيروقراطية وجهازها الاداري) لتنفيذ تلك السياسات، ومن ثم تتم مراجعة تلك السياسات وتغذيتها العكسية ومدى استجابتها للمشكلة او القضية التي وجدت من اجلها وهكذا في دورة صنع السياسات. 
والسؤال الاهم هل تتم صناعة السياسات العامة في العراق وفق حاجة الناس ومشاكلهم وقضاياهم ام وفق رؤية السياسيين - مشرعين واحزاب وتنفيذيين ونافذين-؟ فهل يتم ادراج حاجات الناس ومطالبهم في الموازنات والمشاريع وفق تخطيط يأخذ سلم الاولويات معيارا له، ام قيمة المشروع وما يدره من مال ونسب ورشاوى على السياسيين - مشرعين واحزاب وتنفيذيين-؟ اعتقد لا نحتاج الى عناء كبير لنكتشف جواب ذلك وما تعانيه مدننا من افتقار لابسط الخدمات هو خير دليل على ذلك فقط تم صرف الكثير من الاموال دون ان يلمس المواطن نتائج ذلك ودون ان تعالج السياسات العامة -التي وضعت من اجله- مشاكله وتلبي حاجياته، وفي مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والنقل والسكن والصحة والتعليم ومجمل الخدمات التي تمثل سياسة عامة تهدف الى - معالجة مشكلة - او متابعة قضية او غيرها بل الامر يشمل حتى السياسات العامة الخارجية. 
فهل يُعقل ان اغنى محافظات العراق تفتقر للماء الصالح للشرب في بعض مناطقها؟ وهل يعقل ان محافظات سياحية ككربلاء والنجف تفتقر لمتروات الانفاق وشبكة القطارات، فضلا عن بقية الخدمات؟ وهل يعقل ان التجاوزات والعشوائيات في قلب العاصمة وجوار مبنى امانتها؟ وهكذا كل محافظاتنا بمختلف خدماتها وقطاعاتها، الامر ان دل على شيء انما يدل على غياب صنع سياسات عامة صحيحة وسليمة بل ان بعضها يفتقر اصلا الى وجود " دورة " اساسا لصنع السياسات العامة بل تثبت الخدمات والمشاريع والافكار والرؤى لبناء الدولة ورعاية شؤون مواطنيها وفق رغبات السياسيين وفائدتهم السياسية والشخصية. 
واتحدى ان تعرف اية وزارة ماذا تريد بعد خمس او عشر سنوات والى اين يجب ان تصل وماذا ستحقق وكيف ستعمل؟ 
كل الخطط التي وضعت سابقا لم تكن سوى ( copy pest ) عن سابقاتها فكيف نفسر بناء عشرات المولات عن طريق الاستثمار ولم نبن - مثلا- شبكة نقل او غيرها على نفس طريقة الاستثمار وغيرها العشرات من الامثلة. 
ما نحتاجه اليوم هو بناء سياسات عامة صحيحة تمثل بالفعل حاجات الناس ومشاكلهم ورغباتهم وفق الامكانيات والقدرات والمقدرات المتاحة للدولة ونجعل الاولوية معيارا لذلك لا فائدة السياسي والنافذ والحزب معيارا لتلك الاولويات، نحتاج الى وضع منهجية عمل لادراج اولويات السياسات العامة من خلال التعاطي الحقيقي بوجود الحاجة والمشكلة لدى الناس ولا ننتظر تقريرات الجهاز البيروقراطي في ذلك .
البداية الصحيحة تكمن في ايجاد سياسات عامة صحيحة .