كيف يتعامل البوذيون مع الفيروس التاجي؟

منصة 2021/06/06
...

 بيرس سالجيرو
 ترجمة: جمال جمعة
 
يُقبل ملايين البوذيين الذين يسعون للحماية والشفاء من الفيروس التاجي المستجد على الطقوس الدينية التقليدية.
منذ بزوغ الفيروس التاجيّ أكد الدالاي لاما وكبار الرهبان والمنظمات البوذية في آسيا والعالم على أن هذه الجائحة تستوجب التأمل والرحمة والكرم والعرفان. تعزز مثل هذه الرسائل وجهة نظر الشائعة في الغرب عن البوذية بوصفها فلسفة أكثر منها دين. ممارسة روحية، ربما، لكنها دنيويَّة مرتبطة باليقظة والسعادة وتخفيف الإجهاد.
لكنْ بالنسبة للعديد من الناس حول العالم، البوذية ديانة ونظام عقائدي يتضمن إيماناً قوياً بالقوى الخارقة للطبيعة. على هذا النحو، فالبوذية تمتلك ذخيرة كبيرة من طقوس الشفاء التي تتجاوز حدود التأمل.
 
التعاويذ 
والصلاة والطقوس
نشأت البوذية في الهند منذ نحو ألفي سنة ونصف. واليوم، مع أكثر من نصف مليار من أتباعها في جميع أنحاء العالم، تُعدُّ تراثاً شديد التنوع تكيّف مع العديد من السياقات الثقافية والاجتماعية.
ثمة ثلاث مدارس رئيسة للبوذية التقليدية: «الثيرافادا»، التي تُمارس في معظم جنوب شرق آسيا. «الماهايانا»، وهي الشكل الأكثر انتشاراً في شرق آسيا. و«الفاجرايانا»، المرتبطة بشكل عام بالتبت ومنطقة الهيمالايا.
في الأماكن ذات الأغلبية البوذية، تشمل الاستجابة الرسمية لجائحة الفيروس التاجي التدابير الصحية التقليدية الضرورية والوقاية الصحية مثل التوصية بكمامات الوجه وغسل اليدين وأوامر البقاء في البيت. لكن داخل المجتمعات 
الدينية، يستخدم القادة البوذيون أيضًا سلسلة من طقوس الأبوتروبيك «درء الشرّ» للحماية من المرض.
في تايلاند، على سبيل المثال، توزع معابد الثيرافادا تعاويذ «اليانت» التي تحمل صورًا للأرواح والنصوص المقدسة والرموز البوذية. هذه الأوراق البرتقالية المباركة هي شيء شائع بين البوذيين في جنوب شرق آسيا الذين يرون في أزمات مثل الأمراض الوبائية علامةً على أن القوى الشيطانية آخذة في الانتشار.
تمائم وتعاويذ الثيرافادا تستمد قواها السحرية لصد الأرواح الشريرة ليس فقط من بوذا، ولكن أيضًا من أرواح الطبيعة النافعة وأنصاف الآلهة والرهبان الكاريزميّين والسحرة.
الآن، تتم صياغة هذه الأشياء المباركة خصيصا لهدف حماية الناس من الإصابة بالفيروس التاجي.
يستخدم البوذيون الماهايانا أشياء مقدسة مماثلة، لكنهم يصلّون أيضًا إلى مجموعة كاملة من البددة والبوذيساتفا (فئة أخرى من الكائنات المستنيرة) للحماية. في اليابان، على سبيل المثال، أقامت المنظمات البوذية طقوس إبعاد تدعو الآلهة البوذية للمساعدة في تطهير البلاد من الفيروس التاجي.
يؤمن ممارسو الماهايانا بأن البركات التي تمنحها هذه الآلهة يمكن أن تنتقل من خلال التماثيل أو الصور. في تطور حديث لهذا الاعتقاد القديم، قام كاهن ينتمي إلى معبد توداي جي في نارا باليابان، في نيسان/ أبريل، بتغريد صورة لتمثال بوذا فيروكانا العظيم. قال إن الصورة ستحمي كل من تقع أعينهم عليها.
الشكل الرئيسي الثالث للبوذية، الفاجرايانا، الذي تطور في فترة العصور الوسطى وكان مؤثرًا على نطاق واسع في التبت، يدمج العديد من طقوس التقاليد السابقة. على سبيل المثال، حثّ الدالاي لاما الممارسين في التبت والصين على ترتيل تعويذة «المانترا» إلى البوذيساتفا تارا «تارا المستنيرة»، وهي إلهة أنثى مرتبطة بالرحمة والرفاهية، لنيل حمايتها. 
يؤيد ممارسو الفاجرايانا كذلك شكلاً فريداً من أشكال التخيّل يولّد فيه الممارس صورة ذهنية حيّة للإله، ومن ثم يتفاعل معه على مستوى الطاقة الخفيّة. غالبًا ما تتضمن الاستجابات على الفيروس التاجي التي اقترحتها شخصيات بارزة في الطب التبتي التقليدي هذا النوع من ممارسة التصوّر.
 
الحداثة البوذية
منذ أوج المرحلة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، شيّد «الحداثيون البوذيون» بأناة صورة عالمية للبوذية كفلسفة أو علم نفس. من خلال التأكيد على توافقها مع الفلسفة التجريبية والموضوعية العلمية، فقد ضمنوا مكانة للبوذية في العالم الحديث ومهّدوا الطريق لشعبيتها خارج آسيا.
رفض العديد من هؤلاء البوذيين ذوي العقلية العلمانية الطقوس والجوانب التقليدية الأخرى للبوذية باعتبارها «خزعبلات» مدسوسة في هوامش التقاليد.
في معظم التقاليد الحيّة للبوذية، تؤخذ طقوس الوقاية والشفاء على محمل الجد. لديهم مبررات عقائدية رفيعة تركّز غالبًا على قوة الإيمان العلاجية.
يتفق الباحثون بشكل متزايد على أن الإيمان في حد ذاته يلعب دورًا في تعزيز الصحة. على سبيل المثال، شخّص الأنثروبولوجي دانيال مورمان ما يسمّيه «استجابة الدلالة». يدرس هذا النمط كيف أن الاعتقادات والممارسات الثقافية والاجتماعية تؤدي إلى «تحسينات حقيقية في رفاهية الإنسان». وبالمثل، فقد درس الباحث في كلية الطب بجامعة هارفارد تيد كابتشوك الآليات العصبية لكيفية عمل الطقوس على التخفيف من حدّة الأمراض.
حتى الآن، لا توجد طريقة معروفة للوقاية من الفيروس التاجي بخلاف البقاء في المنزل لتجنب الإصابة بالعدوى، وليس ثمة علاج إعجازي. لكن بالنسبة للملايين في جميع أنحاء العالم، فإن التعاويذ البوذية، والصلوات، والطقوس الوقائية تقدم طريقة ذات مغزى لمواجهة مخاوف جائحة فيروس كورونا العالمي، موفرة الرحة والسلوان. وفي الأوقات العصيبة التي يكون فيها كلاهما غير متاحين، فليس ثمة شيء يطعن في مصداقيتها.
 
The Conversation