تجربة مجالس المحافظات إلى أين ؟

آراء 2019/02/17
...

يعقوب يوسف جبر 
 

بعد عام 2003 تم تأسيس مجالس تشريعية ورقابية في محافظات العراق بموجب قانون إدارة الدولة المؤقت، ثمّ نص الدستور العراقي الدائم لعام 2005 على تأسيسها وتم انتخاب أعضائها عبر انتخابات محلية، وباشرت أعمالها منذ ذلك الوقت وحتى يومنا الحاضر، ورغم أن هذه المجالس لها تخصيصات مالية هائلة إلّا أنها لم تنجح في اداء وظائفها على المستوى التشريعي والرقابي، لأسباب متعددة منها نشوب الصراعات السياسية بين أعضائها لأسباب سياسية وإدارية، فتحولت إلى ميدان لهدر المال العام وتضييع مئات مشاريع البناء والإعمار والاستثمار وتعطيل الأخرى، وانعكس أداؤها السيئ على جميع دوائر ومديريات المحافظات، التي اجتاحها الفساد وتغلغل بين ثناياها ومفاصلها، وانتشرت جريمة الرشوة بين بعض الموظفين كبارا وصغارا، لعدم وجود مراقبة ومتابعة من قبل الحكومة والقضاء
 والبرلمان.
لقد تحولت هذه المجالس إلى حلقات زائدة عن الحاجة، فلماذا  لا يتم إلغاؤها؟ 
لكن كيف يتم إلغاؤها؟، ماذا عن المواد الدستورية التي نصت على تأسيس هذه المجالس؟، منها المادة 122 من الدستور التي نصت في رابعاً:- ينظم بقانونٍ، انتخاب مجلس المحافظة وصلاحياته، خامساً: لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله ماليةٌ مستقلة.
إن إلغاء هذه المجالس لا بدّ أن يسبقه إجراء تعديل دستوري بتشكيل لجنة من قبل مجلس النواب ثم يعقب ذلك إجراء استفتاء شعبي تنظمه المفوضية العليا للانتخابات، فإذا صوّت أغلب المواطنين على إلغائها تعد ملغية بعد مصادقة رئيس الجمهورية على هذا الإلغاء ليكتسب الإلغاء المشروعية الدستورية. نصت المادة (142): على مايلي:
 أولاً:- يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم  تقريرٍ إلى مجلس النواب، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحل اللجنة بعد البت في
 مقترحاتها.
 ثانياً:- تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعةً واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتُعد مقرةً بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس.
ثالثاً:- تطرح المواد المعدّلة من قبل مجلس النواب وفقاً لما ورد في البند (ثانياً) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدةٍ لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس النواب.
رابعاً:- يكون الاستفتاء على المواد المعدّلة ناجحاً، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
إذن نحن أمام عقبة دستورية لا بدّ من إزاحتها لإلغاء هذه المجالس، فهل ثمة رغبة قوية لأعضاء مجلس النواب لإجراء هذا التعديل الدستوري للمادة 122 من الدستور بغية إلغاء مجالس المحافظات التي أخفقت في تجربتها التشريعية والإدارية؟. 
إنّ السعي الجاد لإلغاء هذه المجالس من شأنه أن يحقق أهدافا وطنية على عدة صعد، منها الافادة من التخصيصات المالية لهذه المجالس بعد إلغائها عبر توظيفها في مجالات الإعمار والبناء والاستثمار، الاكتفاء بمنصب المحافظ في كل محافظة ومنصب القائم المقام ومدير الناحية لإدارة المحافظة والقضاء والناحية وتنفيذ المشاريع، مع تحديد صلاحيات هؤلاء الإدارية والتنفيذية واعتماد النظام المركزي عبر ربط سلطات المحافظ بمجلس الوزراء مباشرة واستبعاد النظام اللامركزي لأنّه غير صالح وأثبت فشله، حيث تحولت بسببه هذه المجالس إلى أداة لتعطيل المشاريع ناهيك عن الصراعات السياسية التي نشبت وساهمت في تلكؤ أداء مجالس المحافظات. 
ثمة أعضاء في البرلمان العراقي قد اقترحوا حل هذه المجالس وهو مسعى ايجابي، فهل سيلاقي هذه المقترح ترحيبا شعبيا من قبل الرأي العام؟، وهل سيحظى بقبول الأغلبية المطلقة من قبل اعضاء مجلس النواب؟، لو افترضنا أن هذا المقترح سيتحول إلى تطبيق على أرض الواقع فإنّ الدولة ستخطو خطوة ذكية نحو الأمام، وستجد هذه الخطوة ترحيبا وتأييدا من لدن الرأي العام، فهذه المجالس لم تنجح في أداء وظائفها التشريعية والإدارية لذلك هي لا تصلح لبناء دولة ديمقراطية دستورية قانونية، فلِمَ التشبّث بها وحمايتها؟، فلو تم إجراء استفتاء شعبي لمعرفة عدد المؤيدين لحل هذه المجالس فإنّ نسبة المؤيدين ستكون عالية، وهذا واضح من استياء المواطنين من أداء هذه المجالس، فلماذا لا يهرع مجلس النواب للبدء بتنفيذ مقترح الإلغاء؟، كما أن الحكومة الحالية برئاسة السيد عادل عبد المهدي ستتنفّس الصعداء وسيتسع نطاق عملها الإداري والتنفيذي بعد تجميد أو الغاء هذه المجالس لأنّها عبء على الدولة والحكومة معا.