العلاقات الرقميَّة وتحسين صورة التعليم العراقي في الخارج

علوم وتكنلوجيا 2021/06/22
...

  د. صفد الشمري *
توجب جملة التحديات التي اعترضت قطاعات التربية والتعليم والابتكار والبحث العلمي العراقية، أحداثا ستراتيجية وطنية للعلاقات العامة الرقمية، تهدف إلى تحسين صورة تلك القطاعات في الخارج، ضمن جهود إعادة تشكيل صورة الدولة بالكامل، بوصفها الأساس في عودة العراق إلى وضعه الاعتباري بعدّه مؤثراً فاعلاً، ضمن سياق تغيرات متعددة يشهدها العالم، صارت جودة إدارة المجال الرقمي فيها الأداة الأكثر أهمية، والتي يفترض أنْ تسندها في الأساس بنى تحتية تربوية وتعليمية وبحثية موثوق فيها على المستوى الاقليمي والدولي.
 
الحاجة الرقمية
قبل كل شيء.. علينا أنْ نقف على حقيقة أنَّ مبدأ ديمقراطية الاتصال لا يلغي أهمية الإعلام الإلكتروني للمؤسسات الحكومية والحاجة إلى أوعيتها الرقمية، لا سيما مع تلك التي تقدم خدماتها للجمهور والمجتمع، ومنها قطاعات التربية والتعليم والابتكار في البحث العلمي، إذ يتم النظر الى الإعلام الإلكتروني الحكومي بشكل عام بوصفه مؤسسة للعلاقات العامة الرقمية، تعمل بشكل رئيس على حالة بناء حالة من التوافق بين الحكومة ومؤسساتها من جهة، والجمهور بشقيه الداخلي والخارجي من جهة أخرى، بوساطة وظائف محددة تقوم على البحث والتخطيط والاتصال والتقويم وإقامة التوازن على أساس تفسير ما تسعى الحكومة الى تحقيقه للجمهور.
وكذلك يمكن لتلك الأوعية أنْ تستشعر ردود أفعال المواطنين على السياسات الحكوميَّة المختلفة، بغية الإفادة منها في تشكيل حالة من الثقة والرضا والمصداقية مع الجمهور وصولاً الى تكوين صورة إيجابيَّة لها، وبناء حالة من التوافق مع محيطها سواء على المستوى الوطني، أو على المستوى الخارجي، وتنوه الدراسات المختصة بأنَّ أبرز الأدوار والوظائف التي يمكن أنْ تقوم بها أوعية الإعلام الحكومي، تلك التي تتمحور في العمل مصدراً مركزياً للمعلومات المتعلقة بالحكومة نفسها، الى جانب دورها كقنوات تواصلية بين الحكومة وبين الجمهور، تعمل على نقل الحقائق والآراء والتفسيرات ذات الصلة بعمل الحكومة، ضمن فضاءات النقاش الإلكترونية، لإبقاء الجمهور على اطلاع مستمر بسياساتها وخططها وبرامجها، ناهيك عن تسهيل مهمة الإعلاميين ووسائل الاتصال وتوفير الظروف المناسبة لعملها لتقديم صورة إيجابيَّة عن مستوى شفافية الأداء في البلاد.
ويمكن للإعلام الحكومي الرقمي أنْ يضطلع بمهمته كجهاز مهني يقدم الخبرة والمشورة لأجهزة الاعلام والعلاقات العامة في المؤسسات الاخرى بحكم تجربته في الميدان، فضلاً عن تفسير القوانين وشرح الإجراءات الجديدة التي تفرضها الحاجة الى التنمية، وبما يتوافق مع تطورات المجتمع، ودعم بناء صورة إيجابيَّة عن الوطن داخلياً وخارجياً، وشرح المفاهيم والأسس التي تقوم عليها الدولة، عن طريق إعداد دراسات واستطلاعات الرأي العام ورصد ما يتم نشره أو بثه عن طريق الأوعية الرقمية الوطنية والخارجية، ومتابعة مجريات مراكز صناعة القرار الدولي، وتوفير الرؤى المختصة حوله للحكومة ومؤسساتها.
 
نماذج دولية
بشكلٍ عام.. عدت الدراسات النموذج البريطاني في مجال الإعلام الحكومي من بين أبرز النماذج الدولية، إلى جانب النموذج الأميركي، إذ تعدُّ المملكة المتحدة من أوائل الدول التي اهتمت ببرامج العلاقات العامة الرقميَّة، ويمثل مكتب (CIO) حالة يشار اليها باستمرار عند الحديث عن العلاقات العامة الرقميَّة والإعلام الحكومي على المستوى الدولي، حين أنشئ هذا الجهاز كمؤسسة حكومية مستقلة بعد أنْ ألغيت وزارة الإعلام، التي كانت قد همّت بدور دعائي داخلي وخارجي للبريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي المجال العربي، فإنَّ أبرز النماذج في العلاقات العامة الرقمية والإعلام الحكومي، النمودج المصري، المتمثل في {هيئة الاستعلامات}، التي أخذت مكان {مصلحة الاستعلامات}، التي كانت قد أنشئت في بداية الخمسينيات في جهاز المخابرات المصري، وهي تواصل عملها اليوم لتوضيح صورة جمهورية مصر العربية الرسمية للرأي العام العالمي، وشرح أهداف الدولة المصرية وسياساتها وخططها في المجالات المختلفة وازاء القضايا والمشكلات الدولية، وعرض صور تقدم البلاد، وتستفيد هيئة الاستعلامات المصرية من الأوعية الرقمية بشكل كبير لأداء مثل تلك المهمات، بالتعاون مع خبرات أكاديمية مصرية في المجالات التقنية والإعلامية والتربوية والفنية والثقافية، وبدأت حتى برعاية المهرجانات الفنية والثقافية والعلمية، وكذلك الدخول على خطى الإنتاج السينمائي والمسرحي، بوصفهما من أهم وسائل إقناع المتلقي بصورة 
معينة.
 
النموذج العراقي
يسعى النموذج العراقي المقترح، الذي يمكن أن يكون تحت مسمى (المركز الافتراضي الدولي العراقي) الى الإفادة من العلاقات العامة الرقمية لإدارة وتحسين صورة التعليم العراقي في الخارج، وتعزيز صورة رصانة قطاعات التربية والتعليم والابتكار والبحث العلمي العراقية، ويعمل النموذج المقترح بوصفه {تشكيلاً مهنياً افتراضياً} يمثل حلقة الوصل بين تلك القطاعات، وبين محيطها الإقليمي والدولي، من المؤسسات النظيرة، والمنظمات والمختصة بتلك القطاعات على مستوى العالم، وبالشكل الذي يبرز الجوانب المشرقة، بأنْ يمارس دوره الإعلامي والرقمي وبما يؤمن إيصال الرسائل الى الفئات المستهدفة ويعرّف ببرامج العراق التربويَّة والتعليميَّة وخططه وقراراته ويوفر معلومات دقيقة ومنتظمة عن ستراتيجياته ومشاريعه في هذا المضمار.
ويسعى النموذج المقترح الى الإسهام في رسم الخطط والبرامج الإعلامية والرقمية المركزية المتعلقة بقضايا التربية والتعليم في العراق وتنفيذها بالتنسيق مع الجهات المعنية بكل مفصل، وإعداد استطلاعات الرأي العام ذات الصلة بقضايا التربية والتعليم العالي والابتكار والبحث العلمي ومشكلاته ومعوقاته وتحدياته وبحث سبل مواجهته، وإطلاع الجمهور الداخلي على أبرز نتاجات تلك القطاعات دولياً على وفق آلية واضحة وشفافة، وتدعيم رؤية القائمين على قطاعاتنا التربوية والتعليمية لمفاهيم التعليم الحديث وتطبيقات وآليات وموجبات العمل به في العراق، كستراتيجية طويلة المدى، وليست مرحلة مؤقتة لتجاوز أزمة معينة، ومنها ما يرتبط بمواجهة جائحة كورونا، حيث تتجه الرؤى المعلنة نحو العودة الى التعليم التقليدي مع بداية العام الدراسي المقبل، في وقتٍ يكون للتعليم الالكتروني أهميته على المدى 
البعيد.
كما يمكن أنْ يعمل النموذج المقترح برصد ومتابعة القضايا التي تتناولها وسائل الإعلام التقليديَّة وأوعية التواصل الرقمي حول واقع التعليم في العراق، داخلياً وخارجياً، وأخذ الرصين منها على أساس كونها من مؤشرات قياس صورة التعليم العراقي السائدة، بغية تصويب بعض معالمها، وتسهيل مهمة وسائل الإعلام الدوليَّة في ما يتعلق بتغطية منجزات الباحثين والعلماء والمبتكرين العراقيين، وعرض قصص النجاح، لدعم روح المبادرة، والتميز لدى العاملين في قطاعات التربية والتعليم والبحث العلمي.
إنَّ تنفيذ مثل هذه الستراتيجية الوطنيَّة يتطلب تنسيقاً بين عددٍ من الجهات الحكوميَّة، ممثلة بوزارة التربية، وزارة التعليم العالي والبحث والعلمي بالدرجة الأساس، الى جانب دعم لجنتي التربية والتعليم العالي بمجلس النواب، وإسناد عددٍ من مؤسسات الدعم الفني واللوجستي، ممثلة بوزارة الخارجية، ووزارة الاتصالات، وهيئة الإعلام والاتصالات، وشبكة الإعلام العراقي، والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعيَّة، ونقابة المعلمين العراقيين، ونقابة الأكاديميين العراقيين، لتشكل أشبه ما يكون بمجلس أعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي، يرتبط بالأمانة العامة لمجلس الوزراء مثلاً، ويعمل على توفير البنى التحتية لستراتيجيَّة العلاقات العامة الرقميَّة المقترحة، وتحديد احتياجاتها ومستلزمات نجاحها، للقيام بمهمة التسويق الإعلامي الرقمي لصورة إيجابيَّة عن قطاعات: التربية والتعليم والابتكار والبحث العلمي في الخارج، غير تلك السائدة اليوم.
 
* خبير التواصل الرقمي