فشل التحشيد ونجح {العرس}

آراء 2019/02/18
...

سالم مشكور
 انتهى مؤتمر وارسو ببيان لم يرد فيه ذكر لإيران أبداً، رغم أن "مواجهة إيران" كانت عنواناً لجهود التحشيد الدولي لهذا المؤتمر، ومادة أغلب التصريحات الأميركية وتلك الصادرة من بعض الدول الخليجية، قبل وخلال انعقاده. عنوان المؤتمر هو "السلام والامن في الشرق الأوسط" لكن روسيا التي رفضت المشاركة فيه قالت إنه موجّه ضد إيران، فيما اقتصر جدول أعماله وكذلك بيانه الختامي الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية، على الحديث عن ملفات عديدة وأحداث تشهدها المنطقة من دون تخصيص إيران.
المفارقة في مؤتمر وارسو هي أن الموضوع الفلسطيني غاب عنه تماما، رغم أنه كان عنواناً دائما ومحورا شبه وحيد لكل مؤتمرات السلام الخاصة في الشرق الأوسط خلال عقود، ورغم أن القضية الفلسطينية مازالت قائمة من دون حل، مما يشير بوضوح الى أنَّ المؤتمر أريد له أن يتوج رسمياً جهود سنوات طويلة من جهود استبدال إسرائيل بإيران كعدو لدول المنطقة العربية، وفي نفس الوقت، تحويل إسرائيل من عدو الى صديق حميم لدول عربية يتشارك معها المعاناة والشكوى من "السياسة الإيرانية" في المنطقة. أريد لمؤتمر وارسو أن يكون مناسبة لتتويج الاتصالات السرية بين إسرائيل وبعض العواصم الخليجية بإفصاح عملي عنها من خلال حلف ضمني بين أعداء الامس (شكلياً على الأقل)، ضد عدو جديد مشترك هو إيران.
أبعد من المنطقة، كانت الرغبة الأميركية هي جرّ أوروبا الى موقف صريح وواضح من إيران، بعدما ظهر التمرّد واضحاً على الموقف الأوروبي في موضوع الاتفاق النووي مع ايران وعدم مجاراة الانسحاب الأميركي منه، وكذلك من الحصار الاقتصادي الذي فرضته واشنطن على طهران. عدم الحضور الأوروبي رفيع المستوى والفاعل في مؤتمر وارسو كان مؤشراً على استمرار هذا الموقف وعدم الرغبة في مجاراة اندفاعات ترامب التي لا تأخذ بالاعتبار مصالح الدول الأوروبية. وزير الخارجية البريطاني، وهو الوحيد بين الحضور الأوروبي على هذا المستوى، صرّح بأنه لم يأت للحديث عن إيران إنما عن موضوع واحد هو اليمن. الموقف الأوروبي هذا قد يكون وراء عدم تركيز جدول الاعمال والبيان الختامي للمؤتمر على الموضوع الإيراني.
خلاصة القول، إن ترامب ونتنياهو فشلا، في مؤتمر وارسو، في عملية التحشيد الدولي ضد إيران، لكنهما نجحا في إقامة "العرس الذي سبقته الخطوبة"، كما وصفه وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم في تغريدة له حول المؤتمر، في إشارة الى "الأجواء الحميمة" التي سادت لقاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي ومسؤولي بعض الدول الخليجية.