يبدو ان الحديث عن مكافحة الفساد والحد منه، بات موسما عابرا يتم الحديث عنه بكثافة في وسائل الإعلام وفي الجلسات الخاصة وفي أروقة البرلمان ثم ما تلبث ان تنطفئ جذوة الهمة في مكافحته حال بروز أزمة سياسية وخدمية مفتعلة او مبالغ فيها للتغطية على الفساد
والفاسدين.
عبر منبر صحيفة "الصباح" كتبت المئات من المقالات والتحليلات والمقترحات لمعالجة الفساد لكنها بقت من دون تفعيل بإجراءات وآليات واقعية يمكن تطبيقها تحد من الفساد او على الاقل تخفض من نسبه، خاصة اذا ما علمنا ان استمرار الفساد وتغوله يهدد النظام السياسي القائم ويزيد من نقمة الجمهور إزاء بعض الأحزاب والجهات السياسية المتهمة بممارسته عبر اذرعها ولجانها الاقتصادية المتوغلة والنافذة في وزارات ومؤسسات الدولة كافة، بل حتى القطاع المصرفي والتجاري بات يتحكم به بعض المتنفذين المدعومين من شخصيات وأحزاب سياسية فاعلة في المشهد العراقي مما يعطيه حماية من المساءلة
والحساب.
آخر الآليات والأدوات المقترحة للحد من الفساد هو إعادة تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد الذي يعود تاريخ إنشائه للمرة الاولى عام 2008 والذي بين الأمر الديواني رقم (70) الصادر في 31 كانون الاول 2018 تشكيلاته ومهامه والذي يتكون من مجلس القضاء الأعلى وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين، ومقرر المجلس من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، على ان تتولى هيئة النزاهة إعداد الآلية اللازمة لكيفية ادارة الاجتماعات والموضوعات التي تطرح وتنفيذ التوصيات والمقررات ويتمتع بالصلاحيات الادارية والقانونية الكافية للسيطرة على حالات الفساد ومعرفة مواطنه ومكامن الخلل في المتابعة والتنفيذ ومن ثم اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق الفاسدين وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأية جهة او شخص مهما كان
موقعهم.
اي تشكيل جديد لمكافحة الفساد أمر ايجابي ومرحب به وقد يسهم في التقليل من حالات الفساد، خاصة انه في التجارب العالمية توجد العديد من الاجهزة الرقابية بعضها يصل الى 21 جهة رقابية.
فالفساد يمكن تشبيهه بالفايروس الذي ينشر العدوى والقابل لتطوير قابلياته ودفاعاته اثناء مواجهته بالمضادات الحيوية المتمثلة بالاجهزة الرقابية التي المطلوب منها تغيير ستراتيجياتها وادواتها وقوانينها لكي تستجيب للحالات المتنوعة والكثيرة من وسائل الاحتيال والالتفاف على القوانين والتعليمات النافذة لتحقيق منافع مادية ومعنوية والكسب غير المشروع واستغلال النفوذ الوظيفي والحزبي لتحقيق
ذلك.
اهم خطوة لمواجهة الفساد هو وجود إرادة سياسية حقيقية وفاعلة لمكافحته وضرورة دعم واسناد الأجهزة الرقابية وإبعادها عن المحاصصة الحزبية والقومية والدينية والمذهبية المقيتة وان يتبوأها أشخاص أكفاء ونزيهون يتمتعون بالشجاعة والقدرة على إدارة هكذا ملفات شائكة وخطيرة يقف وراءها عادة متنفذون قد يكون لهم اذرع مسلحة وأجندة خارجية تساندهم وتدافع عنهم لتحقيق مصالحها على حساب المصلحة العليا للبلاد في الحفاظ على ثروته واستغلالها واستثمارها بما يحقق دولة الرفاه الاجتماعي التي ننشدها
جميعا.