الكمأ وكوفي عنان

آراء 2019/02/22
...

حمزة مصطفى
 جماي ماني جماي درب الجمة دليته" لا أعرف على وجه التحديد تاريخ هذه الأغنية, لكنها قطعا تعود الى زمن قديم أو ماض تولى. سعدون جابر كان آخر من أدى هذه الأغنية محاولا محاكاة بيئتها التي هي بيئة صحراوية بدوية. أيضا لا أعرف الظرف أو المبرر الذي جعل سعدون جابر يعيد تسجيل هذه الأغنية  الفولوكلورية برغم أن هناك سواه من أعاد تسجيل أغانٍ ربما كانت ظلمت بسبب  بساطة الآلات التي كانت تستخدم في أدائها والتي قد تقتصر أحيانا على
 الربابة فقط. 
القاسم المشترك لما أود التركيز عليه في هذا المقال هو "الجمة" الذي هو تصحيف لمفردة "كمأ" أو الفقع باللغة العربية. وإذا كان يسمى في العراق وبلدان الخليج الكمأ فإنه يحمل تسميات أخرى في البلدان العربية. ففي السودان يسمى "العبلاج" مثلما تقول الموسوعة "يوكيبيديا". وفي بلدان  المغرب العربي "ليبيا وتونس والجزائر والمغرب" يطلق عليه "الترفاس". 
الكمأ عراقيا وخليجيا والعبلاج سودانيا والترفاس مغاربيا هو فطر بري ينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار. له فوائد عديدة كعادة النباتات حين يجري توظيفها كطب بديل مع وجود الكثير من المبالغات التي ترافق شهرته الموسمية كونها مرتبطة بالأمطار شريطة أن تكون بنسب عالية وذات ديمومة. فـ "الجمة" ومن منطلق خبرتي كقروي وفلاح لا ينبت لا في الصحراء ولا في الكرادة أو المنصور لمجرد أن تمطر الدنيا ليوم وليلة أو بضع ساعات. كما إنه لاينبت إذا أمطرت الدنيا بين سطر وسطر. 
جميعنا يتذكر أمطار عام 2013 التي هطلت على العراق خلال شهر تشرين الثاني من ذلك وغرقت أو كادت تغرق العاصمة بغداد. لم يظهر الكمأ أو الفقع أو حتى العبلاج أو الترفاس. الذي ظهر آنذاك هو "صخرة عبعوب" مثلما يتذكر الجميع. السبب في ذلك هو عدم ديمومة الأمطار وربما عدم شموليتها كل المناطق خصوصا الصحراوية
 منها. 
هذا العام لفت الكمأ الأنظار وتسيد ولايزال حتى لحظة كتابة هذه السطور المائدة العراقية. آكلوا الكمأ يرون إنه لذيذ ومفيد فضلا عن رخص أسعاره هذا العام نتيجة المعروض منه بينما أسعاره في العادة مرتفعة جدا في باقي السنين بسبب ندرته. مشكلته تكمن في صعوبة تنظيفه بل استحالته برغم كل المحاولات التي تبذلها النساء لإزالة مايعلق به
 من تراب.
كان عام 1998  هو العام الأكثر شهرة لظهور الكمأ في  العراق ربما طوال النصف القرن الماضي. أمطار ذلك العام تشبه الى حد كبير أمطار عامي 2018 و2019. أتذكر في ذلك العام جاء الى العراق أمين  عام الأمم المتحدة آنذاك الراحل كوفي عنان وسيطا من أجل قضية فرق التفتيش الدولية. ومما يقال إن طائرة كوفي عنان حملت كميات كبيرة من نبات الكمأ هدية من صدام حسين الى الأمين  العام. كان انتشاره في الأسواق آنذاك  يشبه انتشاره اليوم. وكان حديث المجالس آنذاك حيث لا مواقع تواصل اجتماعي بينما اليوم أصبح سيد الفيس واليوتيوب وتويتر.