علي لفتة سعيد
لا تعني الحياة وجود مبان وطرق وحدائق وعمل، بل ايضا تعني وجود أماكن لما بعد الموت والتي تسمى في اللغة العربية المقابر او النواويس، حتى إن الكثير من الحضارات اعتنت بالمقابر، كونها المنطقة الأولى للعودة الى الحياة الثانية أو الآخرة، فتفننوا فيها وفي رسمها وأبنيتها كما هو الحال مع الاهرامات في مصر أو تاج محل في الهند، وكنيسة القيامة في مدينة القدس وغيرها، لكن في العراق ثمة العشرات من المقابر سواء منها الموغلة بالقدم او الحديثة، ومن بينها وأهمها وأشهرها مقبرة وادي السلام بمدينة النجف التي تضم أكثر من ثمانية ملايين قبر، وقد أدرجت ضمن لائحة التراث العالمي، وكذلك مقابر مدينة كربلاء حتى باتت المقابر الخاصة لا تتسع لها الامكنة، وتزيد أعداد الزوار لها في كل مناسبة دينية أو ذكرى وفاة، حتى إن مقترحا نشر على مواقع التواصل الاجتماعي يطالب بتأسيس مقبرة في كل مدينة أو محافظة لتخفيف الضغط على مقابر النجف وكربلاء، وتخفيف أعباء الاهالي في زيارة موتاهم بكل مناسبة.
التسمية والجذور
المقابر لا تعني انتهاء الحياة، فمقابر العراق تعني امتدادا لما كان أثرا وما حصل، وتضم رفات شخصيات لها وقعها الكبير في رسم التاريخ العراقي، والمقبرة لها اسماء شتى، ففي بعض الدول تسمى الجبانة أو القرافة أو التربة، وهو مكان يدفن فيه الأموات سواء بشكل فردي أو جماعي، كما أن لها أسماء أخرى، ومنها المسبلة اي الأرض التي لا يملكها أحد ولا تكون وقفا لجهة أو جماعة أو الموقوفة، وهي ما وقفها مالك بصيغة الوقف، كقرافة مصر التي وقفها الخليفة عمر بن الخطاب.
وفي العراق تمتد هذه المقابر الى الحضارات الأولى السومرية والبابلية والآشورية والاكدية وغيرها، اذ إن لكل حضارة مقابر خاصة بها وإن كانت لا تمتلك الشواهد الكبيرة كما الاهرامات، لكن الشواهد تدلّ على وجود مقبرة في منطقة أور الاثرية التي تعد مسقط رأس النبي ابراهيم (ع)، وكذلك في موقع آثار بابل، و مواقع اثرية اكتشفت، وتبين انها مقابر وان كانت صغيرة او تابعة لإله اسطوري أو لحاكم أو قائد من قادة الحقب التاريخية، كما هو في آثار نينوى الآشورية وغيرها.
مقابر الخلفاء والملوك
لا تخلو منطقة في العراق من وجود حضارة أو اثر تاريخي أو حتى تراثي، وبالتالي فهي تحتوي على مقابر، ولكن الاشهر منها في العصور القريبة، ويستعرض الباحث مرتضى الالوسي الذي اصدر أكثر من 20 كتابا في البحث عن الأماكن والتواريخ والشخصيات العراقية عامة والكربلائية خاصة، قائلا: «انه إذا ما استثنينا مقبرة وادي السلام تأتي اولا «مقبرة الخيزران» التي تقع في الأعظمية، وسميت على اسم والدة هارون الرشيد الخيزران بنت عطاء، وكذلك مقبرة قريش التي تعد من مقابر بغداد القديمة، وتقع في الجانب الغربي من بغداد، وهي مقبرة مشهورة ومقبرة أحمد بن حنبل والحريم الطاهري».
ويسرد الالوسي اسماء لمقابر اخرى فيقول ان من بينها «مقبرة الشهداء الأتراك في بغداد، وهي واحدة من 78 مقبرة للقتلى الأتراك في 34 دولة وتقع في الباب المعظم، وايضا مقبرة الشيخ معروف الكرخي، وكانت تعرف قديما باسم مقبرة الشونزية أو مقبرة باب الدير العتيقة، وهي من المعالم الأثرية والتاريخية لبغداد وتقع خلف المحطة العالمية، وكذلك مقبرة الغزالي المعروفة، وتقع على شارع الشيخ عمر وسط بغداد».
ويتحدث عن المقابر الملكية في القرن الماضي فيقول اهمها «المقبرة الملكية، وتضم رفات الاسرة المالكة العراقية في بغداد، ومنها قبر الملك فيصل الأول، والملك غازي، والملك فيصل الثاني، وكذلك الملكة حزيمة والملكة عالية وبعض الأميرات، بالإضافة إلى قبر الملك علي بن الحسين ملك الحجاز، وقبور بعض أخوة وأقارب الملوك»، لكن هذه المقبرة لم تقتصر على دفن الملوك والأمراء، بل وكما يقول الالوسي، انه تم دفن جعفر العسكري أول وزير دفاع بعد تشكيل الحكومة العراقية عام 1921 في الحديقة الملكية، وكذلك دفن رستم حيدر رئيس التشريفات الملكية، ووزير المالية، ولان المدافن كثيرة في بغداد في القرن الماضي، فان اسماءها تدل على معناها ومنها مقبرة الكرخ الإسلامية والتي دفن فيها الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر واسرته، ورئيس الوزراء الأسبق طاهر يحيى، وتابع الباحث ان هناك «المقبرة الوردية، ثم تغير اسمها إلى مقبرة الشيخ عمر نسبة إلى الشيخ عمر السهروردي، وهي تضم مراقد علماء أعلام».
وكذلك مدافن اليهود في الحبيبية، وكانوا قبلها يدفنون موتاهم في مقبرة كراج النهضة في الشيخ عمر، وبعضهم كان يدفن في مقبرة الشونزية، وقد تم إلغاؤها في عهد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم عام 1961 ونقلها الى الحبيبية، كون تواجدهم في الرصافة أكثر»، وعن مقابر الانكليز يقول انها «في الباب المعظم وفيها مدافن قوات الاحتلال الإنكليزي عام 1917 ومن ضمنهم الهنود بين معسكر الرشيد والزعفرانية وكذلك مدافن الأرمن في منطقة الكيلاني القريبة من ساحة الطيران والتي دفنت فيها المس بيل بكنيسة الأرمن»، ويمضي بتعدد المقابر قائلا «مدافن النصارى في بغداد الجديدة، ومقبرة المدائن أو مقبرة سلمان باك، وفيها مرقد سلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن جابر الأنصاري».
مقابر كربلاء ودفن السومريين
في كربلاء توجد أكثر من مقبرة حديثة لضحايا الحروب أو الأموات العاديين، فبعض الناس عدّوا أرض كربلاء أرضا مباركة لا تختلف عن أرض النجف، ويقول الباحث حسن الوزني «إن المؤرخ المختص بتاريخ كربلاء سلمان آل طعمة يقول في كتابه (كربلاء في الذاكرة) إن هناك «مقبرة في كربلاء تسمى (النواويس)، وهي عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى، وإن هناك أطلالا كائنة في شمال غربي كربلاء تعرف بـ (كربلاء القديمة)، تستخرج منها أحيانا بعض الحباب الخزفية، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها»، مفسرا كلمة النواويس بانها تعني مقابر وهي اللفظة العربية، وفيها توجد بعض التلال، وتستخرج من بعض اماكنها أكواب خزف ضيقة الفم، ويوجد في أسفلها تراب أصفر اللون عندما تمسه النار تفوح منه روائح نتنة، من الممكن أن يكون هذا التراب الاصفر اللون من رمم أجداث السومريين، إذ كانوا يدفنون موتاهم في المدينة تحت دور منازلهم أو تحت أرض الغرف، ويضعون معهم جرتين كبيرتين من الفخار، فم الواحدة منها يقابل الآخر فيقومان مقام التابوت، وكانوا أحيانا يضعون الجثة في قعر رمس مستطيل الشكل قائم الزوايا، بطن بالطوب وشبيه بعقد أو قبر
بسيط».