بدور العامري
شاحبة الوجه كثيرة الانطواء على نفسها غير مبالية بشيء، بعد أن بدأ مستواها الدراسي بالتراجع يوماً بعد يوم، ما جعلها تنال ادنى الدرجات في الامتحانات الماضية، الامر الذي حسم موقفها بعدها من الراسبين في الدور الأول لهذا العام، هكذا بدا حال لمياء علي ذات الـ (14عاما) وبحسب كلام والدتها فانها تعاني من حالة احباط ويأس شديدين، لا شك أن الوضع العام للبلد مليء بالمشكلات والأزمات، بدءا من الازمات الاقتصادية والصحية والأمنية وانعدام الخدمات، وكل هذه الأمور لا تبرر اشاعة ثقافة الإحباط والسلبية داخل الاسرة وافرادها وهي المكون الأساسي للمجتمع، وهي الاسباب ذاتها التي اوجدت حالة لمياء وآلاف الحالات من مختلف الفئات العمرية،
اذ تقول السيدة سهام والدة لمياء ان ابنتها حساسة جداً وتتأثر بكل ما تسمعه وتراه، اذ كثيراً ما تتألم وتنزعج لرؤية اختها الكبيرة هيفاء من دون وظيفة او تعيين، بعد أن أكملت دراستها الجامعية في كلية الإدارة والاقتصاد وهي تندب حظها البائس، إضافة الى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي كثيرا ما تبث رسائل الإحباط والتقليل من شأن الدراسة بوصفها (المستقبل المظلم) بحسب تلك المنشورات، اذا كان المصير واحدا، وهو عدم وجود فرصة عمل والجلوس في البيت، الامر الذي ترك اثره السلبي في نفسية لمياء وجعلها محبطة ويائسة ولا تتأمل حدوث شيء حسن في المستقبل، بل واكثر من ذلك فقد انعكس على وضعها الصحي وسلوكها مع الآخرين.
التنشئة ودور الأسرة
المختصة النفسية والارشادية مروة مشالي تحدثت لـ «الصباح» عن دور التنشئة الاسرية للأطفال في مواجهة شعور الإحباط واليأس، والا يكون الوالدان سببا في تعرض ابنائهما لعدد من العقد النفسية والصفات السلبية التي من الممكن أن يتصفوا بها في مرحلة عمرية معينة، او تكون ملاصقة لهم طوال الوقت، ما يهدد كيانهم وعلاقاتهم الاجتماعية مستقبلا ومن هذه الصفات (الاتكالية)، واثارة الفوضى وعدم التنظيم في حياتهم العامة، وكذلك عدم الشعور بالمسؤولية، ما ينتج فردا كسولا لا يبالي، بسبب عدم وجود شيء محوري بحياته، كما يجب الانتباه الى صفة ذات تأثير بعيد المدى في حياة الأشخاص وهي ضعف الشخصية للطفل المحبط واليائس، لأن حياته ليس لها معنى بسبب خلوها من الأهداف، فضلا عن الفراغ الذي يعاني منه، اذ يجد نفسه شخصا غير مؤثر وغير فعال ولا يمتلك قيمة وحضورا داخل محيطه، داعية الى تجنب الرسائل المحبطة من خلال الانتباه الى الكلام الموجه للطفل عندما يريد الاهل إيصال فكرة او نصيحة له مثل (لا تستطيع، لا تفعل، لن تقدر...الخ).
الفروق الفردية
السيدة سهام والدة لمياء تحدثت عن سخرية افراد الاسرة من موهبة لمياء وهي (الرسم)، خاصة والدها الذي دائما ما كان يستهزئ بميولها الفنية ويدعوها الى تركيز اهتمامها بدراستها والموضوعات العلمية اسوة ببنات عمها، اللواتي يحصلن على اعلى المعدلات في مادتي الرياضيات والكيمياء، اذ تؤكد المختصة النفسية مروة مشالي أن أسلوب المقارنة من اكثر الممارسات الخاطئة التي يتبعها الاهل مع أبنائهم عن جهل بانعكاساتها النفسية والسلوكية على الأشخاص، بهدف تحفيزهم والاقتداء بالمهارات والإنجازات التي يحققها اقرانهم، اذ يجب مراعاة وتفهم مراحلهم العمرية وقدراتهم مع وجود الفروق الفردية وعدم مقارنتهم مع من هم بأعمارهم نفسها، لان كل طفل لديه قدرات ومواهب مختلفة عن الآخر، سواء كان أخاه او اقاربه او زميله في الدراسة، مع أهمية وجود قدوة في الاسرة، اذ ان الأطفال لا يسمعون النصح والإرشاد قولا وانما يقلدون الأفعال التي امامهم.
مؤسسات وبرامج
فاتن الجراح تربوية متقاعدة عملت معاونة لمدير دار ثقافة الأطفال في وزارة الثقافة سابقا، تحدثت عن أهمية دور المؤسسات التعليمية الأولية والبرامج المتبعة فيها على التنمية المعرفية وتأهيل الأطفال وإبراز مواهبهم وميولهم وتمكينهم بعد خلق الطموح لديهم، اذ تقول «تعد الحضانة ورياض الأطفال من اهم المحطات والروافد التي من الممكن استثمارها لتغذية المهارات المعرفية وتطويرها لدى الأطفال، لما لها من تأثير كبير في تحديد ميول ومواهب الطفل منذ الفترة الأولى في حياته، إضافة الى خلق روح العمل والطموح لديه بما يضمن تحقيق أهدافه مستقبلا، وهي بذلك عملت على تحصينه من العقبات النفسية الأخرى مثل اليأس والإحباط».
مواكبة الحداثة
مع وجود رياض الأطفال والمؤسسات التعليمية الأساسية الداعمة لتنمية معرفة الأطفال، اشارت فاتن الجراح الى أهمية مواكبة الحداثة والتطورات التكنولوجية التي تحدث في مجال التنشئة والتعليم في عمل تلك المؤسسات، اذ تعتقد بوجود اختلاف كبير في آلية العمل بين المؤسسات الحكومية والأهلية، اذ لا تزال البرامج المتبعة في المؤسسات الحكومية متخلفة كثيرا عن الركب ولا تلبي الطموح، باعتبارها تقدم للأطفال مادة تعليمية (جافة) غير مبالية بحقهم في اللعب واللهو واطلاق طاقاتهم الكامنة الى جانب التعلم في هذه المرحلة العمرية، وهو الامر الذي تبنته بعض رياض الأطفال الاهلية، اذ استطاعت نوعا ما الاخذ من تجارب الدول الاوروبية واميركا وأستراليا وغيرها من الدول في مجال أساليب التعليم الاولي، إضافة الى تدريب الملاكات العاملة فيها على هكذا أنماط حديثة.
تنمية الطموح
الطموح هو الهدف الذي يسعى الفرد الى تحقيقه خلال مسيرة حياته، لذلك تبرز اهمية وجود الطموح في حياة الأشخاص والأطفال على وجه الخصوص باعتبار مرحلة الطفولة هي أساس بناء شخصية الفرد، اذ تبين مروة المشالي ان وجود الطموح يساعد في بناء الطفل ويجعله يتمتع بالصلابة والاتزان العاطفي، كما يخفف من ظهور الاضطرابات النفسية مثل لوم الذات والشعور بالنقص.
موضحة ان مرحلة الطفولة هي الفترة التكوينية الحاسمة في حياة الفرد باعتبارها التوقيت المناسب لوضع البذور الأولى للشخصية التي تتبلور وتظهر ملامحها في مستقبل الطفل بعد أن تكون لديه بما يسمى (بنك المعلومات) الذي يساعده في تحقيق أهدافه، وهذا ما اكدته التربوية فاتن الجراح عن طريق الاهتمام بروافد التنمية وتعزيز الطموح لدى الأطفال واليافعين والمتمثل بمؤسسات النشاط المدرسي وبما تقدمه من ابراز المواهب الفنية والأدبية والرياضية، وكذلك المدارس المتخصصة مثل مدرسة الموسيقى والباليه، إضافة الى معاهد التأهيل التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، والتي لا يمكن اغفال دورها الكبير في تأهيل وتطوير مهارات ومعارف هذه الشريحة الواسعة من المجتمع.