حمزة مصطفى
قرأنا خلال السنوات الأخيرة العديد من كتب المذكرات لبعض السياسيين العراقيين. ومع أنها قليلة بالقياس الى أعدادهم لكنها في النهاية يراد لها أن تعبر عن رؤاهم فضلا عن أدوارهم. معظم هؤلاء السياسيين حين يكتبون عن المرحلة التي عاشوا فيها أو كانوا جزءا منها فإنهم غالبا ما يكتبون عن أدوارهم الخاصة او العامة في إطار تلك المرحلة. وكثيرا ما يضعون أنفسهم بوصفهم محور الحدث, بل غالبا ما يكونوا هم قطب الرحى. ولأنهم ينظرون الى الأمور من زاويتهم هم فقط لا من الزوايا المتعددة مثلما يفعل السياسيون في الغرب, فإن سيرهم غالبا ماتكون تبريرية
لاذاتية.
وهناك فرق كبير بين ماهو ذاتي بالفعل فيه الخطأ والصواب, والحق والباطل والأنا والآخر وبين ماهو تبريري. الذاتي ينقل للقارئ الوجه الآخر للسياسي في مختلف حالاته وتحولاته, أما التبريري فإنه يخفي عن القارئ كل شيء عن ذلك السياسي ولا يظهر سوى شبح لايكاد يرى أو يتحدث إن تحدث من وراء حجاب.
سردار عبد الله سياسي وإعلامي كردي. نائب سابق في البرلمان (رئيس كتلة حرمة التغيير الكردية) خلال دورة 2010 ـ 2014. لم يرشح لدورة برلمانية ثانية لكنه لم ينسحب من المشهد السياسي. ظل على الأرجح ينتمي الى جزئه الآخر المرتبط بتاريخ الحركة الكردية وبالذات الفصول المختلفة للثورة الكردية. أيام زهوها وانتصارها وحالات انكسارها وهزيمتها. كان سردار قد شارك فيها مقاتلا أيام الجبل.
وبعد التغيير عام 2003 أراد التعبير عن التغيير الدرامي الذي حصل في البلاد على المستوى السياسي المباشر ففاز في عضوية البرلمان وتسلم مواقع وخاض العام الماضي غمار الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ضمن مجموعة من السياسيين الكرد في الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها الدكتور برهم صالح. ومع أن له العديد من المؤلفات والدراسات الأدبية والسياسية باللغة الكردية لكنه اختار هذه المرة أن يؤرخ للثورة الكردية لكن من خلال الرواية وباللغة العربية لا الكردية.
روايته "آتيلا آخر العشاق" التي تقع بـ 486 صفحة من القطع المتوسط سجل من نوع آخر لكل تحولات تلك الثورة من خلال شخصية أبطالها لاسيما بطلها العاشق والشهيد آتيلا وحبيبته التي بقيت مفقودة فاطمة. ومع أن هناك شخوصا آخرين في الرواية لهم أدوارهم المتباينة فيها فإن الكاتب حرص على تناول تاريخ الثورة بشخوصها المعروفين لنا جميعا وعبر مختلف التحولات منذ ستينيات القرن الماضي حتى سقوط النظام. ولأنه أراد لقارئ الرواية لاسيما العربي معرفة كل جوانب وخصوصيات الثورة والثوار فإنه نمى البعد العاطفي فيها من خلال استحضار شخصية المتصوف فريد الدين العطار كمعادل موضوعي لتحولات البطل "آتيلا" الذي بقي آخر العشاق لأنه لم يغادر همه العام وهو الثورة حيث دفع حياته ثمنا لانتصارها برغم الخيبات, كما بقي متمسكا بقدسية علاقته مع فاطمة التي أحبها برغم الفارق الطبقي. هذا الفارق بقي قائما برغم كل ما شاب الثورة من تحولات انعكست في النهاية على الوضع السياسي لأبطال الثورة التاريخيين ولشخوصها المفترضين وصلة ذلك بما حصل في إقليم كردستان بعد
سقوط النظام.
تاريخ من نوع آخر سطره لنا سردار عبد الله بلغة مفعمة بالحب والثورة والعشق الممنوع.