عاشوراء هويَّة عراقيَّة

منصة 2021/08/18
...

د.عبد الخالق حسن
 
برغم كلِّ ما كُتِب عن أيام محرم، وما سيُكتَب لاحقاً، تظل ذكرى محرم منجما لاينفد للأفكار والموضوعات، التي تمسك بخيط من خيوط محرم التاريخ لتصل به إلى الحاضر.
ففضلاً عمَّا في محرم من اعتبارات تتعلق بمفاهيم الحرية ورفض الظلم والإيثار وسواها من المفاهيم، نجد أنَّ آثار محرم في العراق منعكسة على سلوكيات العراقيين الثقافية والاجتماعية والروحية.
في الجانب الثقافي مثلاً، يمكن أن نلمس تأثير القصيدة الحسينية في تطور الأدب العراقي، من خلال الإضافات الكبيرة التي تحققت سواء في مستوى الشعر أو النثر. فنحن لا يمكن أن نغفل كم الصور الشعرية الخاصة بالقصيدة الحسينية والابتكارات وإبداع الشعراء فيها. ولا يقتصر الأمر هنا على الشعر الفصيح، بل إن المساحة الأوسع من الابتكارات كانت في منطقة الشعر الشعبي الحسيني، الذي تعددت أوزانه وفارقت صوره الشعرية ما كان متكرراً، حتى لنجد أنَّ الكثير من العرب صاروا يستسيغون المفردة الشعبية العراقية ويبحثون في دلالتها، وهذا بحد ذاته يمثل انتصاراً للأدب تحقق بفضل الموضوعات الخاصة بقصص الطف، وما جرى فيها. وهذا طبعاً أسهم أيضاً في إحداث نقلات مهمة على في ما يخص الجانب الإلقائي والنغمي الخاص بالقصائد الملقاة.
أما على المستوى الاجتماعي، فإنَّ أيام محرم تمثل وجهاً من وجوه التكافل الاجتماعي والكرم، الذي صار العراقيون فيه مضرب مثل على مستوى العالم، حتى أنَّ الاستفتاءات جعلت العراقيين يتصدرون المركز الأول بوصفهم أكرم شعب. وهذا الأمر لايقتصر هنا على الموسرين، بل نجد أنَّه حتى الفقراء يبذلون ما في وسعهم ليشاركوا في المأدبة العاشورائية الكبيرة، التي يتساوى فيها الجميع وتذوب الفوراق، حين يقفون أمام موكب ما ليحظوا بعطايا محرم وخيراته.
وحين نتحدث عن الجانب الروحي، فإنَّنا سنعثر على مصاديق الأمر على وجوه وبيوت الناس. بل وحتى في الشوارع العامة، التي تتحول إلى محطات حزن واستذكار واستدعاء لمشاهد الطف الأليمة، لتتلون الأيام والساعات والدقائق بألوان الحزن الذي يغسل الروح وينقيها، وليس مثل الحزن جالياً للروح.
هذا الذي أوردناه هو نماذج فقط من تأثيرات محرم في حياة العراقيين، وإلَّا فإنَّ هذه التأثيرات لا تقف عند حدود ما ذكرناه، بل تمتد إلى مديات أوسع انتقلت مع العراقيين حتى إلى بلدان المهجر التي استوطنوها منذ سنوات بعيدة.
لذلك فإنَّ محرم وعاشوراءه يمثلان هويَّةً عراقيَّةً التصقت بأرض العراق، منذ أن نصب الإمام الحسين (عليه السلام) خيامه في هذه الأرض.