فاتحة

منصة 2021/08/22
...

أ.د. مها خيربك ناصر
 
تتفتّح أكمامُ الوجودِ في كلِّ صباح، لتعلن بدء يوم جديد، له أريجُه ونكهتُه وخصوصيتُه وهويتُه. ومع كلّ صباح تُزهر براعمُ الفكرِ الحرّ رؤىً تقولُ تطلعاتِه وأحلامَه وعلاقتَه بذاته وبالكون والحياة، فتتجّلى رؤاه بوحًا صادقًا، سواء أكان هذا البوح شعرًا أم نثرًا، ولذلك حرص القيّمون على صحيفة الصباح أنْ يجعلوا منها فضاءً إبداعيًّا يحرّض على التعبير عن الأنا وعن رؤيتها قضايا الحياة بكلّ أبعادها الفكريّة الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والأدبيّة والإنسانيّة.
يستنبت تعدّدُ قضايا الحياة وتنوّعُها قراءات ورسومًا لغويّة وغير لغويّة تتمايز جمالياتها ودلالاتها بتمايز قدرات الناظرين إلى هذه القضايا والباحثين فيها، فربّ مقاربات اكتفت بما يوحي به الشكل الظاهر، وربّ مقاربات أخرى سمع أصحابها بأذن ثالثة ما يهمس به صخبٌ وضجيجٌ لا يتسلل صمتهما إلاّ إلى أرواح المجنحين بنور الشوق إلى تذوّق خمر الكشف؛ لأنّ هؤلاء يرون بعين الإبداع ما استتر، وما تخفّى، وما استُبطن من دلالات وحقائق ومقاصد لا تنكشف إلاّ أمام المطهرين بنار الشوق المعرفيّ؛ لذلك تأتي الصحف الصباحيّة حقل كلمات يموج بأزهار تختال بجمال ينشر عطرها وأريجها، وبأزهار أخرى تجود بالجمال وتبخل بنشر العطر.
هكذا هي الصحف الصباحيّة حقل كلمات يحتضن نتاج أقلام تنوعّت موضوعاتها بتنوّع قضايا المجتمعات والأوطان والسياسات المحليّة والإقليميّة والدوليّة، وبتنوّع القراءات والأبعاد الدلاليّة والقصديّة، وتمايزت أساليبها بتمايز القدرات اللغويّة، وبطبيعة المخزون الثقافيّ والمعرفيّ، وبمسار الأهداف والتوجهات، فيأتي الكلّ المتسق تحت عنوان الصباح متكاملاً بقدر ما هو متناقض، ومتفاعلًا بقدر ما هو مغاير ومتباعد، ومتناسقًا بقدر ما هو متنوّع.
إنّ التنوّع والتعدّد والتكامل والتناقض والتفاعل والتقارب في الصحف الصباحيّة لا يلغي قيمة أيّ نصّ إبداعيّ، بل يمنح الصحيفة سمة الخلق والتجديد المشروط حدوثهما بقبول المختلف والمغاير، فلولا الاختلاف لما كانت ولادة جديدة، ولولا التمايز لما كانت الهويات، ولذلك نتمنى أنْ تبقى صحيفة الصباح منبرًا حرًّا للتعبير عن الأفكار والرؤى والتطلعات، وفضاءً رحبًا يحتض ضجيج الأقلام وصخب كلماتها، وصمت تمردها وهدير حروفها، وهدوء حريتها.
تحتضن صحيفة الصباح بوح الفكر الحرّ، وما ينطق به من ومضات أدبيّة وفلسفيّة وحياتيّة ووطنيّة واجتماعيّة وسياسيّة وإنسانيّة، وما يذهب إليه من آراء لغويّة ونقديّة يمكن التأسيس عليها من أجل استنباط الجديد، وابتكار الفروض والتأصيل لنظريات، ربّما تستولد آراءً جديدة وأكثر فاعليّة وقدرة على تحرير النصّ العربيّ من الإعادة والتكرار؛ فيخرج من تحت عباءة السلطة الأدبيّة الاستخباراتيّة التي ترغم النصّ على الاعتراف بما ليس فيه نتيجة التعذيب بأدوات نقديّة وفكريّة وافدة تُستخدم أسماؤها من دون توظيف مفاهيمها، وتكتب نصوصها من دون معرفة لغويّة تمنح النصوص مناعة لتبقى نابضة بفكر إنسانيّ حرّ.