الفيلسوف الذي كره النساء

منصة 2021/08/22
...

  ميادة سفر
 
حضرت المرأة كثيراً في تاريخ الفلسفة لا كفيلسوفة حيث لم يعترف إلا بأسماء قليلة وفي أزمنة متأخرة، إنما من ضفة الانتقاص من قيمتها، والتقليل من شأنها ومكانتها، وربما كان الفيلسوف اليوناني سقراط من أوائل الفلاسفة الذين انتقصوا من قدر المرأة، فقد كان يعتبر أنّ «النساء يولّدن الأجساد، أما الفلاسفة يولّدون الأرواح»، وعندما سئل عن سبب زواجه من زوجته التي كانت حادة الطبع أجاب: إنّ على مروضي الخيول تجربة أكثر الحيوانات جموحاً».
يحقُّ لنا أن نغفر ل سقراط ذلك الموقف من المرأة، إذا ما علمنا أن وضع المرأة ومهتها كانت محددة في مجال واحد، بينما الحياة العامة كانت حكراً على الرجال، لكنّ الحال لم يقتصر عند الفلاسفة القدامى ولم يتوقف عليهم، بل استمرت المواقف المناهضة للمرأة والمنتقصة من قدرها من قبل كثير من الفلاسفة عبر التاريخ، نُعتت النساء بأقذع النعوت، ووضعت في خانة الحيوان، ووصل الأمر بالبعض إلى درجة اعتبار آلام المخاض والولادة ماهي إلا قصاص لها، وعن أي ذنب تنال قصاصها، وما الفعل الذي ارتكبته؟!. ستتغير النظرة للمرأة نوعاً ما في وقت لاحق، ويسمح لها بالمشاركة في الحياة العامة، والخوض في الشؤون الفكرية والفلسفية، غير أنّ بعضاً من أبرز الأسماء اللامعة في سماء الفكر والفلسفة بقي لديهم تحفظ وتشنج من النساء عامة، البعض بل لنقل أغلب مواقفهم كانت نابعة من تجارب شخصية عائلية، انعكست سلباً على رؤيتهم للمرأة وموقفهم منها. ولعل الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور واحداً من أكثر الفلاسفة تعصباً ضد المرأة، وهو الذي شكل حالة فلسفية خاصة ومميزة في التاريخ الفكري الأوروبي، حين بنى أفكاره على التشاؤم المطلق، ولم يكن يرى الوجود سوى بؤر من الحزن والكآبة، معتبراً الحياة شر كامل، لا وجود فيها للفرح، ولا مكان للسعادة، أما صورة الأم فقد تحطمت في نظره بعد موت والده، وتخلي أمه عنه لتعيش حياتها كما تشاء وتشتهي، ولم تحضنه كما توقع، ولا هي عوضته عن فقدان أبيه، ولا وفرت له الأمان والحب، تلك الظروف التي عاشها شوبنهاور ستؤثر على حياته كلياً، ويكون صدامه مع أمه سبباً لكراهية شديدة لكل النساء، وفقاً لكثير من الكتّاب الذين تناولوا شخصية شوبنهاور الذي لا يمكن إغفال عبقريته وعظمة ما قدمه، على الرغم من ذلك الموقف القاسي من البشرية جمعاء وليس فقط من المرأة.
هل كره الفيلسوف شوبنهاور النساء حقاً؟! سؤال لطالما قفز إلى ذهني كلما قرأت بعضاً من أقواله وكتاباته، كيف لمن كتب «فن العيش السعيد» أن يكون حاقداً إلى هذا الحد الذي يصور أمامنا؟، في مختلف الأحوال لايمكن للحياة الشخصية لأي إنسان لاسيما علاقته مع أمه الحضن الأول في حياته، لا يمكنها إلا أن تترك أثرها السلبي أو الإيجابي، فما بالنا بإنسان شغلته البشرية ومآسيها، يحقُّ له أنْ يتأثر ويتألم، غير أنّ ذلك لا ينتقص من عظمة أفكاره وفلسفته.