دولة في معايير الاستحقاق التاريخي

منصة 2021/08/24
...

 قاسم موزان 
 
تنطلقُ هذه المقالة من بديهيَّة فحواها يشير الى أنَّ العراق دولة قائمة بذاتها وحضارتها غائرة في القدم فهي مهد الحضارات الإنسانيَّة وشكلت قوة تأثير لافتة بين الحضارات القديمة الأخرى وأنجزت عبر مراحل تاريخها الإنجازات العظيمة، إلا أنَّ الغبن الجغرافي جعل هذا البلد المعطاء يقع غير مرة في دائرة الصراعات المهلكة، إذ تعاقبت على احتلاله امبراطوريات ودول طامعة في خيراته أولاً ثم استعباد شعبه ثانياً، ولعلَّ النموذج العثماني في حكم العراق كان الأسوأ عبر تاريخه من الخراب والدمار لقرونٍ طويلة فبعد انهيار الدولة العثمانيَّة البغيضة جاءت القوات البريطانيَّة الى احتلال العراق وحسب اتفاقية سايكس بيكو 1916 لتقاسم الهلال الخصيب بين بريطانيا وفرنسا وأصبح البلد من نصيب بريطانيا العظمى ليخرج العراق من خراب الولاة الى فضاء الحرية المزعوم وكان العراقيون يأملون بالاستقلال، إلا أنَّه لم يحقق شيئاً في هذا الصدد، قوبل الاستعمار الجديد القادم من الغرب بمواجهات العشائر العراقية في ثورة العشرين التي مهدت بعد نجاحها الى صياغة نموذج آخر في السياسة مفاده أنَّ من الصعوبة حكم العراق بشكلٍ مباشرٍ أاو فرض اشتراطات على شعبه.
تأسست الدولة العراقيَّة في مؤتمر القاهرة الذي عقدته المملكة المتحدة في آذار/ مارس 1921على خلفية نجاح ثورة العشرين العظمى وتكبد القوات الغازية الخسائر الكبيرة وأقر بموجبه إنشاء دولة ذات حكم ملكي وتم تأسيس مجلس تأسيسي برئاسة عبد الرحمن النقيب ثم رئيساً للحكومة الانتقالية من مهامها تنصيب ملك على عرش العراق، وفي 23 آب 1921 أصبح الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق بعد إجراء استفتاء شعبي، وهذه صفحة جديدة في تاريخ العراقيين الذى مضى على مروره مئة عام.
كانت بوادر إيجابيَّة أفرزها العهد الملكي الجديد بتشكيل الوزارات التي لم يعرفها العراقيون سابقاً لتسيير شؤون الدولة وكذلك تأسيس مجلسي نواب أعيان بانتخاب ديمقراطي أولي، كما أقرَّ بتشكيل الأحزاب السياسيَّة على الأنماط الغربيَّة لمراقبة الأداء الحكومي ووفق هذه النجاحات اللافتة تم في العام 1924 التصديق على معاهدة 1922 التي أقرَّتْ باستقلال العراق ودخوله عصبة الأمم المتحدة وحسمت قضية الموصل.
إلا أنَّ تلك الفترة الممتدة بين1921 لغاية العام 1958» سقوط الملكية» لم تخل من الصراعات السياسية والخلافات البينية والانقلابات الدموية والانتفاضات الشعبية المعارضة للاتفاقيات المجحفة مع بريطانيا لترسيخ وجودها وتقييد العراق بمعاهدات تحرمه من استثمار ثرواته، وأدى تعدد رؤساء الوزراء الى إضعاف الدولة ثم تنامى الشجب لدى الشعب لتجهض هذه المملكة بثورة 14 تموز 1958 وجرى بعدها ما جرى من مآسٍ وكوارث.