عودة شريهان في «كوكو شانيل»

منصة 2021/08/24
...

 غفران حداد 
بعد غياب طويل امتد لثمانية عشر عاماً تقريباً، عادت النجمة الاستعراضية المصرية شريهان إلى التمثيل من خلال مسرحية «كوكو شانيل»، العمل مقتبسٌ من حياة أشهر مصممة أزياء في عالم الموضة والأزياء يحمل ذات الاسم.
وقد تم عرض العمل بشكل خاص وحصري في شهر تموز الماضي. كنت أتمنى لو تم عرض العمل في القنوات الفضائيَّة والأرضية ليشاهده الجميع ولكي يتسنى لجمهورها من مختلف الطبقات الاقتصادية متابعة عملها المسرحي، جمهورها المتعطش لفنها الجميل، فما زالت ذكريات جيل الثمانينيات والتسعينيات ارتبطت بفوازير رمضان وبطلتها ملكة الاستعراض شريهان التي حافظت على مكانتها في الوسط الفني وفي قلوب محبيها على الرغم من غيابها الطويل.
في تجربة «كوكو شانيل» إخراج هادي الباجوري، قدم شريهان في مسرحية برؤية سينمائية وقد لاحظ كل من شاهد العمل أنه تم تصوير مشاهد المسرحية باستخدام احدث كاميرات السينما وصناعة الخدع التلفزيونية في كثير من المشاهد منها تحليق بطلة العمل كوكو شانيل مع حبيبها الضابط الألماني ورقصة (السلويت) معه، أيضا مشهد عزلتها ونفيها خارج فرنسا.
عند بدء عرض المسرحية وقبل رفع الستارة شاهدنا عبارة «انحناءة شكر لعموم المرأة في العالم» فكرة النجمة شريهان.
وهذا التوقيع ليس لامرأة عادية بل لممثلة عانت من مرض السرطان وتحدت وهزمت الانكسار لتخرج لحياتها وفنها من جديد.
في بداية عرض المسرحية تظهر لنا الجدة الفرنسية التي تسرد لحفيدتها حكاية «كوكو شانيل» ومثلت الدور الفنانة حنان يوسف، ليقدم لنا عدة مشاهد ممنتجة مسرحياً لحياة كوكو شانيل في حياتها بين ملجأ الأيتام وصدمتها في تخلي والدها عنها، ونلاحظ عبقرية تصميم الديكور للمصمم محمد عطية حيث عكس ضياع ووحدة وانكسار الطفلة كوكو شانيل من خلال استخدام السرير بالحجم الكبير والضوء الخافت الذي يبين قلة حيلتها وضعفها وبنقلة جميلة وسريعة نشاهد تحولاً كبيراً من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب في دخول شريهان إلى باحة المسرح وسط تصفيق الجمهور والإبهار الذي يحمله الديكور بأدق تفاصيل الحياة الفرنسيَّة آنذاك من أزياء وألوان واكسسوارات.
في المشهد الأول تناول عمل كوكو شانيل في الحانات الليليَّة وتركها العمل الليلي بعد لقائها الأول مع السيد كابيل وهذا اللقاء تبعته نقلة نوعيَّة في حياة كوكو شانيل لتدخل علينا بطلة العمل بلوحة استعراضيَّة مستوحاة من الفولوكلور الفرنسي وقدمت لنا رقصة «الكلاكيت» التي أبدعت بتقديمها بخفة ورشاقة وكأنها فتاة في العشرين من عمرها وهذه الرقصة أبدعت الفنانة شريهان في تقديمها لنا سابقاً من خلال مسرحيَّة شارع محمد علي وفي فوازير»حاجات ومحتاجات»، لينقلنا المونتاج المسرحي لمشغلها وماكينات الخياطة في منزل فرنسي بأثاث متواضع.
في المشهد الثاني حمل تطور ثورة كوكو شانيل في عالم الموضة بعد تقديم شانيل لأول مرة البنطال النسائي الفضفاض من تصاميم شانيل وما تلاها في مشاهد لبداية صناعتها ماركة عطور شانيل وقدمت لنا مصممة الأزياء ريما العدل أزياء الممثلات في العمل بنقلة نوعيَّة جميلة لمدة امتدت بين حقبتي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين بجمال الأزياء والقلائد الطويلة حول العنق، قضلاً عن تجسيد وظهور المرأة الفرنسيَّة وهي تمسك السيجارة في رمز لبداية عصر تحرر المرأة الفرنسيَّة.
كانت جميع مشاهد العمل المسرحي مبهرة، لكنَّ أكثرها إبهاراً هو المشهد السادس الذي حمل عنوان (الحرب النازية)، إذ يبدأ احتلال ألمانيا لفرنسا وتم استخدام قاعة المسرح بتقديم العرض العسكري ودخول عددٍ كبيرٍ من الجنود بالزي الألماني بين الجمهور صعوداً نحو خشبة المسرح بمنظرٍ مهيبٍ مع استخدام الإضاءة كضوءٍ كاشفٍ للطائرات ويتعرض عنصرٌ من المقاومة لتقوم بحمايته كوكو شانيل وتخبئه في محل ثيابها ويأتي الضابط الالماني هانز للبحث عنه وهنا بداية مرحلة جديدة من أزياء الممثلين التي تأخذ طابع الزي الرسمي من حيث الألوان والتصاميم ويكشف لنا المشهد حواراً عن قوة المقاومة بين كوكو شانيل والضابط. فصول المسرحيَّة ومشاهدها طويلة ويتوالى السرد المسرحي من المحاكمة إلى المنفى حتى العودة إلى باريس ومن ثم لفصل المجد.
ويتم ختم المسرحية بجلوس كوكو شانيل على ماكينة خياطتها القديمة وهي ترتدي فستاناً باللون الأحمر الذي يرمز للثورة وتموت كوكو شانيل عليها وينتهي العمل المسرحي بأغنية (أنا لستُ نادمة على شيء) للمطربة الفرنسية «إديث بياف».
شريهان لم تفقد بريقها على الرغم من غيابها الاستعراضي الطويل، لقد قدمت أداءها برشاقة ملفتة للأنظار، لحياة نجمة الموضة العالمية كوكو شانيل في قالب مسرحي سينمائي تلفزيوني لا يخلو من إبهار التقنيات والديكور والأضواء وفخامة وأناقة الأزياء، لقد غطى الاستعراض البصري على ضعف النص المسرحي، لقد تناول الدكتور مدحت العدل جزءاً بسيطاً من حياة المصممة العالميَّة كوكو شانيل الزاخرة بالأحداث.
عادت شريهان لجمهورها بكامل جمالها وأناقتها وكامل سطوتها لتخبرنا أنَّ الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص هازمٌ المرض وداحرُ الانكسار، وكانت عودتها مفاجأة سعيدة ينتظرها جمهورها بفارغ الصبر كون شريهان نموذجاً فنياً لا يتكرر ولا يشبهه أحد وفي عودتها بمسرحية «كوكو شانيل» نسفت نظرية «الجمهور عاوز كدة» فهي لم تقدم عملاً مسرحياً هابطاً لمجرد العودة أو لأجل الربح المادي مثل حال بعض الفنانات هذه الأيام بل قدمت لنا عملاً فنياً ممتعاً عن قصة كفاح وتحدٍ توافرت فيه عناصر النجاح. «كوكو شانيل» كان عملاً مسرحياً سينمائياً ويمثل ثورة في المسرح المصري المعاصر، فهل ستكون هناك تجارب مسرحية محلية أو عربية تحذو خطوة «كوكو شانيل» بعرض مسرحي يحمل رؤية وتصويراً سينمائياً مميزاً؟.