متى يقوم الرجال بثورتهم؟

منصة 2021/08/24
...

 عفاف مطر
متى يقوم الرجل بثورته؟ سؤال يراودني دائماً ولربما يراود الكثير من النساء، ما الذي يمنعه؟ مما يخاف؟ ماري وولستونكرافت أول من نشرت كتاباً وتحدثت عن حقوق المرأة وذلك في العام 1792 عبر كتابها (دفاعاً عن حقوق المرأة)، والحقيقة أنَّ أصول وبذور الحركة النسويَّة والدفاع عن حقوق المرأة كانت في القرن الخامس عشر حينما نشر كتاب (المساواة بين الجنسين) الذي رأى النور في العام 1673، المضحك في الأمر أنَّ ماري وولستونكرافت قبل نشرها كتابها الآنف الذكر، نشرت كتاباً بعنوان (دفاعاً عن حقوق الرجل) في العام 1790.
منذ القرن الخامس عشر وحتى يومنا هذا حققت المرأة نجاحات عظيمة على مستوى نيل الحقوق والمساواة، صحيح أنَّ الأمر لم يكتمل بعد، لكنْ مجرد نظرة عابرة وسريعة على التاريخ، يتضح لنا أنَّ تطور مكانة المرأة حين كانت تتساوى بالحيوانات بوصفها ملكيَّة خاضعة للرجل منذ أيام حمورابي في شريعته التي تعدُّ وفق نص صريح أنها ملكٌ له كما الماشية، وما وصلت إليه المرأة الآن، لا يسعنا إلا أنْ نعجبَ بقوة الأنثى، لا سيّما أنها ما زالت تحارب وتدخل المعارك الحقوقيَّة لنيل المزيد والمزيد. بغض النظر عن الأخطاء التي شابت الحركة النسويَّة عبر تاريخها الطويل والصعب والذي استلزم منها تضحيات وصلت الى مستوى بذل النفس والموت في سبيل القضية، إلا أنها حققت وما زالت تحقق أهداف وطموح المرأة في كل مكان، ومن طبيعة الحياة أنَّ الذي لا يخطئ هو فقط من لا يعمل. لكنْ أين الرجل من كل هذا؟ بدلاً من أنْ يحاول الرجل هو الآخر أنْ يحارب لأجل نيل حقوقه من السلطة والأعراف التي قولبته وجمدته، نراه ترك معركته وراح يسخر إمكانياته وقوته لاعتراض طريق المرأة. قد تبدو فكرة أنْ يطالب الرجل بحقوقه فكرة «سخيفة» طالما أنَّ القوانين الوضعيَّة والعرف والتقاليد كلها تصب لصالحه وتمنحه ما لا تمنحه للمرأة، لكن الى أي مدى هذا الكلام منطقي وحقيقي؟ لنأخذ الأديان على سبيل المثال، الدين الإسلامي خاصة، قد ساوى بين الزاني والزانية والسارق والسارقة.. الخ، والدين يعامل المرأة كإنسانٍ ناضجٍ مسؤولٍ عن أعماله ويحاسب أو يكافئ لأجلها.
إذاً الرجل ليس محتاجاً أنْ يتولى مهمة تقويم وتقييم المرأة لأنه ببساطة لن يحاسب أو يعاقب بدلاً عنها، لكنَّ عرف وتقاليد المجتمعات البالية ما زالت تتحكم به وتضع على كاهله مسؤوليات ليست من اختصاصه لا دينياً ولا قانونياً أبداً، لكنه أضعف من أنْ يتملص ويتحرر من هذه المسؤوليات. رجل في الأربعين أو الخمسين يكفي أنْ يأتي طفل في العاشرة من عمره ويخبره أنه رأى أخته مع رجل غريب، حتى تهتز رجولته وتتبعثر كرامته وتثور نيرانه ويفقد احترامه لنفسه واحترام الآخرين له! هذا والله لأمرٌ مثيرٌ للسخريَّة، ومع ذلك لا نراه يقوم بخطوة واحدة للتخلص من القيم المجتمعيَّة التي لا تمت الى الدين أو القانون بصلة. ألا يشعر الرجل بالغيرة من المرأة وهي التي تعدُّ إنسانة ومواطنة من الدرجة الثانية وكائناً ضعيفاً ومع ذلك حطمت وكسرت القيود والأغلال لتنال حق التعليم والعمل والسفر.. الخ.
على الرجل أنْ يمتلك الشجاعة لمرة واحدة فقط ويعترف أنه أضعف من المرأة، ولا يمتلك القدرة التي تمتلكها المرأة، وأنَّ عضلاته ليست سوى كمية من الألياف اللحميَّة التي تغطي عظامه ولا يستفيد منها إلا أوقات الشجار مع رجل مثله. 80 % من قضايا الشرف التي حصلت في الوطن العربي أثبتت نتائج التحقيق الجنائي والفحص الطبي للضحايا الاناث أنهن عذراوات، ومع ذلك لا ينال صاحبها سوى ستة أشهر من السجن، يقضيها عادة في التوقيف أثناء التحقيق في الجريمة، هذا إنْ دلَّ على شيء فهو يدلُّ على ضعف الرجل في مواجهة شائعة أو ظن لم تتبين حقيقته من ضلاله، لدرجة أنَّ القانون حين يحكم بستة أشهر فقط على الرجل الجاني، يبني حكمه على أساس أنَّ القاتل كان في ثورة غضبه حين فعل جريمته، وبالتالي هو أضعف من أنْ يُحاكم، مثله مثل المخبول والمسطول. متى يقوم الرجل بثورته ليُخلص نفسه ويخلص الأنثى من ضعفه القاتل. بيني وبينكم الرجال أضعف من أنْ يقودوا ثورة حقيقيَّة، وأنتظر بلهفة الوقت الذي تطالب فيه النساء المساواة في معاقبة قتل الأخ الزاني والزوج الخائن وقضاء ستة أشهر فقط في التوقيف، لا سيّما أنه لا يوجد فحصٌ طبيٌّ يثبت أنَّ الرجل الضحية عذراء يعني «طالعة من الحبس طالعة»، وأنا متأكدة أن هذا اليوم سيأتي قريباً، لأنَّ المرأة قادرة على أكثر من ذلك.