الخلايا النائمة.. قنبلة موقوتة

آراء 2019/02/25
...

يونس جلوب العراف

تطالعنا نشرات الأخبار يوميا بوجود عمليات إلقاء قبض على إفراد ينتمون إلى عصابات داعش الإرهابية في عدد من المحافظات التي كان يسيطرون عليها قبل عمليات التحرير وبناء على ذلك لابد من القول إن الإرهاب في العراق لم ينته بتحرير المناطق الغربية والموصل من تلك العصابات على الرغم من أهمية ذلك الأمر على ارض الواقع فسقوط هؤلاء الإرهابيين بيد القوات الأمنية يؤكد وجود خلايا نائمة وحواضن في تلك المناطق وهو ما يمكن عده بمثابة قنبلة موقوتة يجب السيطرة عليها قبل انفجارها فوجود الخلايا النائمة سيجعل الحرب بين القوات الأمنية والإرهابيين تتحول من المواجهة العسكرية المباشرة إلى عمليات مسلحة تنفذها تلك الخلايا والتي هي عبارة عن مجاميع متأهبة تنتظر الضوء الأخضر لساعة تنفيذ جرائمها في مناطق متفرقة من البلاد.
 يؤكد عدد من المراقبين والمحللين الأمنيين ان عصابات داعش الإرهابية لم تعد تحتاج إلى إرسال عناصرها إلى أوروبا والغرب بقدر ما تراهن على أنصارها ومؤيديها في الداخل وهنا يكمن التحدي لدى أجهزة الاستخبارات ليس في العراق فحسب بل في جميع أنحاء العالم وهذا الأمر يتطلب مواجهة هذا الخطر عن طريق التنسيق الأمني بتبادل المعلومات حيث إنه بعد معركة الميدان ستأتي معركة الاستخبارات والمعلومات وهي المعركة الأمنية المقبلة ولعل التنسيق الرباعي بين العراق وروسيا وسوريا وإيران هو مثال على إمكانية محاربة تلك العصابات عبر التنسيق المشترك بين هذه الدول استخباريا ولوجستيا.
لا يجب ان يغيب عن البال ان الخلايا النائمة تعمد بشكل كبير إلى الفتنة وهي أشد فتكا من النشاط العسكري لأنها قوات سرية متخفية بملابس مدنية حيث تتواجد في فروع التنظيمات الإرهابية مثل  داعش أو القاعدة وغيرها لتنفيذ أجندات خارجية، وغالبا ما تتواجد هذه الخلايا في مناطق التوترات السياسية أو التهديدات وتتوزع على مناطق سكنية مختلفة ليسهل عليهم العمل من خلالها دون أن يشعر بهم أحد. واحيانا تكون تلك الخلايا تحت أغطية مختلفة كالمؤسسات الدينية واتحادات الطلبة والمراكز الثقافية والمراكز الخيرية لذلك فالتعامل مع الخلايا النائمة يحتاج الى جهد استخباري ووعي مجتمعي، ووعي المواطن وحسه الأمني هو خط دفاع مهم يلعب دورا مهما في أمن البلد واستقراره حيث تقوم استراتيجية مجرمي داعش الآن على التحول من التمسك بالأرض إلى منظمة سرية تنفذ عمليات انتحارية إرهابية في عواصم دولية وعربية بالاعتماد على الخلايا النائمة فانتشار الإرهاب بصورة غير مسبوقة أتاح للخلايا النائمة الفرصة للتحرك في الخفاء لوجود البيئة المتاحة لتنفيذ مخططاتها عن طريق أفكار تتعلق أحيانا بالدين او المذهب او السلطة، وآلية مكافحة هذه الجماعات المتطرفة تكون بالعديد من الوسائل وأولها تطبيق خطة أمنية واضحة إضافة إلى تطبيق خطة إرشادية عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق و استخدام المنابر لإرشاد الشباب إلى الطريق الصواب والابتعاد عن طريق الظلام كما ان بعض الباحثين في مكافحة الإرهاب يقولون إننا نحتاج أكثر من جيل للتخلص من التطرف والإرهاب في أوروبا، فالمشكلة اليوم في وجود العديد من شبكات العمل التي تنشط داخل دول أوروبا لترتيب عمل الأفراد الذين يريدون الالتحاق بالتنظيمات المتشددة وتأمين أوراق سفرهم من أجل الالتحاق بداعش، رغم تشديد الإجراءات عند الحدود والمطارات..
لابد من القول انه مع نهاية داعش في العراق وسوريا فإن العالم يترقب معركة أخرى لا تقل شراسة وتحديًا عن معارك التحرير وهي معركة تطهير عدد من البلدان من خلايا الإرهاب النائمة، حيث تقوم استراتيجية الارهابيين الآن على التحول من التمسك بالأرض إلى منظمة سرية تنفذ عمليات انتحارية إرهابية في عواصم دولية وعربية بالاعتماد على الخلايا النائمة سيما ما يتعلق بما يسمى ـ"الذئاب المنفرة" التي هي واحدة من التكتيكات التي تعتمدها عصابات داعش الارهابية في عملياتها الاجرامية.
يمكن القول بوجود معوقات كثيرة تواجه القادة الأمنيين في العراق في مكافحة الخلايا النائمة، أبرزها قلة الخبراء وحالات النزوح الكبيرة، الأمر الذي يسبب صعوبة في إحصاء أعدادهم وأسمائهم وتبعياتهم، ويوقف نجاح القوى الأمنية، لذلك كان لابدَّ من إيجاد حلول للعمل على ضبط الوضع الأمني، وجمع المعلومات الأمنية عن الأشخاص المشبوهين، حتى تتمكن القوى الأمنية من القضاء على الخلايا النائمة بشكل كامل حيث أن هذه الخلايا تنتشر بصفة خاصة في المناطق التي تعاني من الخلل الأمني والفوضى فهي تستثمر وجودها في مثل هذه البيئة بحثا عن حواضن.
ويكون خطر الإرهاب أكبر في الأيام المقبلة  ان لم يتم التعرف على الحواضن التي تحمل الفكر المتطرف، لذلك على الأجهزة الأمنية  القيام بهجمات استباقية لتدمير أوكار الخلايا الإرهابية وتفعيل دور المخابرات في كشف هذه الخلايا نظراً لصعوبة تتبعها أو القبض عليها، وسهولة تخفّيها خاصة أن مواجهة تلك الجماعات التي تعمل بصورة لامركزية أصعب على الجهات الأمنية من مواجهة كيانات تنظيمية تعمل بشكل مركزي ومن ثم منع مثل هذه الهجمات أمر شديد الصعوبة ما لم تكن لدى السلطات معرفة بتكتيكات واستراتيجيات وطرق تعامل مع هذه الخلايا والمنظمات الإرهابية.