حكمة الصبّار

آراء 2019/02/25
...

نصير فليح

في الفصول المتعاقبة التي تمر على تأريخ البشر، تكون هناك فترات خير ورخاء، تطول أو تقصر، وفترات شقاء وآلام، تطول أو تقصر. 
وقد شاءت لنا صفحات التاريخ ان نعيش صفحة من اكثر الصفحات سوادا على هذه الأرض منذ ما يقارب الأربعة عقود.
الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار، كما يبدو، جزءا لا يتجزأ من هذه الارض، ولكن أن يصل الأمر الى كل الحروب والكوارث والحصارات والعنف الذي عشناه في العقود الماضية، فهذا أمر استثنائي حتى في معجم قديم لعدم الاستقرار مثل بلدنا وارضنا.
في هذه الصفحات الاكثر صعوبة، فان مفردة مثل "الأمل" تأخذ معنى اكثر عمقا واكثر صعوبة ايضا. 
ومثلما هو الحال مع الارض الجافة التي يتوجب الحفر عميقا فيها للوصول الى شيء من الماء، هكذا تمسي الحياة في صفحات التاريخ الاكثر صعوبة، حيث على البشر الحفر عميقا للوصول الى شيء مما يحفز العمل والأمل في الحياة، سواء في ما يحيط الانسان، او ما في داخل نفسه.
فالفترات الصعبة، لا سيما اذا كانت طويلة الامد وشديدة القسوة، تجعل كفاح الانسان يمسي على جبهتين رئيسيتين: جبهة العالم المحيط بالانسان، وجبهة الصراع من النفس.
فالسعي للقمة، والعيش الصالح، شواغل رئيسية في عالم لا يتيح منها الكثير، ومجتمع تسود فيه الانانية، وتتراجع فيه الثقة، والشعور بالتضامن الانساني.
اما في ما يخص عالم النفس الداخلي، فان فترات المعاناة الطويلة لا بد ان تترك تاثيرها على الوضع النفسي لشعوب باكملها. وتصبح حالات مثل الشعور بالكآبة، والآلم الذكريات الموحشة، والشعور بعدم الجدوى، او ربما النزوع الى العنف ايضا، حالات واسعة الانتشار. 
وهذا "طبيعي": فكيف يمكن ان تكون حال انسان فقد من أحبائه الكثير، وعانى الكثير على امتداد حياته، ورأى طموحاته الكبيرة تتبدد في اكثرها او معظمها، وما ظل منها اشبه بنبتات صغيرة مقارنة بالغابات الكبيرة التي اعتملت في نفسه ذات يوم؟ قبل ان تمر العواصف والاعاصير وتقتلع  ما في طريقها؟
ولكن يظل الامل، كما يبدو، قادرا على ايجاد طريقة او اخرى للتسلل الى اكثر المناطق عمقا، رغم كل العقبات. مثل صبّار الصحراء ونباتاتها، التي قد تمد جذورا تمتد لعشرات الامتار احيانا، للوصول الى مصدر الماء. 
فالحياة لا بد ان تستمر وتتجدد، ومثلما يأتي ربيع الطبيعة كل عام، فان ربيع النفوس لا بد ان يجد دوره في نفوس البشر وعالمهم، وهذه الاجيال الجديدة التي تظهر وتستمر في نسيج الزمان، شاهد على ما نقول.