أدب الحريّة وحريّة الأدب

منصة 2021/08/30
...

أ.د. مها خيربك ناصر
يقترن وجود الإنسان المبدع، على مستوى الكتابة الأدبيّة، بخلق النموذج الأدبيّ الأكثر غرابة ومغايرة، من حيث النسق، والأكثر إغراءً وفاعلية، من حيث الرموز والدلالات، والأكثر قدرة على الاستمرار في الآتي، بوصفه فعلاً إراديًّا، ونشاطًا عقليًّا وخيارًا ثقافيًّا، له منطلقاته ومساراته وأهدافه، بمعنى آخر إنّ فاعلية العمل الإبداعيّ مشروطة بوجود الإنسان المبدع المحدِث القادر بحريّته على إحداث تغيير يؤسس لحركة فكريّة أدبيّة ترفض جهوزية النموذج، وتتبنى الدعوة إلى خلق فني ممهور بالحداثة المتجددة، وتحرّض على الشكّ والنقاش والحوار والرفض والقبول.
يمنح الفعل الإرادي المبدع شعورًا بالحرية وبالتحرر من الخوف والقمع، وبالحريّة تستطيع أن تعي ذاتها، وأن تتمرّد على قبول الجاهز والمهيّأ، وتغوص في قراءة علاقتها بالكون وبالحياة والمرئيات، وبالتحرّر تصير أكثر قدرة على تقليص مساحات التوّحش والاغتراب والقهر والإذلال، وأكثر قدرة على إثبات وجودها الإنسانيّ وعلى التعبير عن حضورها وأحلامها وتطلعاتها وصراعاتها بمنطوق لغويّ/ أدبيّ يقولها، ويحتضن انفعالاتها، ويدثّر اندهاشها المشحون بالسؤال وبرغبة السعي إلى معرفة الذات وتحقيق الكينونة.  
يضمر النص الإبداعيّ وعيًا بمفهوم الحريّة، ودعوة إلى الحريّة، في اللحظة عينها، فلا إبداع من دون حريّة فكريّة تشجع على الخروج والتمرد، ولا قيمة للنص الأدبيّ إذا أضمر الخنوع  والاستزلام وترويض النفس على قبول الواقع كما هو؛ لأنّ علاقة الأدب بالحريّة علاقة جدليّة، فلا إبداع على مستوى الخلق الفني من دون التحرر من كل سلطات القمع الفكريّ، ولا قيمة للنص الأدبيّ من دون إشارات ورموز وأيقونات معرفيّة وثقافيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة تسهم في تشكيل الوعي ونشر المعرفة  وتكريس الحريّة مفهومًا إنسانيًّا/ وجوديًّا.  
ترتبط فاعليّة أدب الحريّة بتكريس حريّة الأدب  قيمةً فكريّة وحضاريّة وإنسانيّة وأخلاقيّة وثقافيّة، وبالحرص على تفعيل عمليات الخلق الفنيّ الإبداعيّ؛ فيؤدي المثقف دوره، ويعمل على إيقاظ الوعي ونشر المعرفة الناقدة والمحرّضة على التفكير والتحليل والتأويل، فالحرِّيَّة بهذا المعطى لا تعني الفوضى والخروج على المعايير، بل هي شكلٌ آخر من أشكال الانتظام الهادف إلى مروحة الفضاءات الفكريّة والثقافيّة، ولذلك لا يجوز أن تُصنّف النصوص الخارجة على المبادئ القيميّة نصوصًا إبداعيّة، لأنّ للنصّ الإبداعيّ هويّةً موسومة بحريّة الفكر الخلاّق، فتعرّف به، وتعلنه أدب الحريّة المخلّص.