أ.د. مها خيربك ناصر
ببوح الشوق تتأنق صلاة كلماته، فترتل رغباتِ نفسه التواقّة إلى معانقة أرواح المبدعين في كلّ زمان ومكان، لأنّها كلمات الوحي الإبداعي المتمرد على حصون الاعتقال الفكريّ والتموضع التصنيفيّ...
ينبلج وجع الشاعر المبدع صباحات رؤى تصهل جموحًا ورفضًا لكلّ أشكال القمع والإرهاب والترهيب، فتشتعل أناه حلمًا يعانق إشراقه الروحيّ، فيتحدان نورًا إلهيًّا في فضاءات عصيّة على التصنيف حيث ترتفع صلاة الحروف أسئلة تقضّ هدأة سكونية القبول.
إنّه صوت هويّة انتماء إلى الكلّ العاشق ضوءًا لا ينعم بطيب حنوّه إلاّ المتطهرون بوضوء التمرد والخارجون على الجاهز والمهيّأ، والمجنحون بطيب الشوق إلى حيث الكلّ أناـ والأنا كلّ تسمو بشفافيتها إلى معانقة كل الأرواح التواقّة إلى معرفة ذاتها لحظة الصلاة في عالم شفّاف خالٍ من عبدة المادة ومن المنبطحين من أجل تحقيق مصالح شخصيّة آنية..
الشاعر المبدع صوت الأنا الباحثة عن الحقيقة والحارقة لجام الصمت، والعاشقة عواصف شوق الراغبين في الثورة على الظلم والعبودية والتبعية والانبطاح والقبول والخنوع...
إنّه فارس لغة يمتطي بها ومعها ريح التغيير، فيمتشق ضجيج العاصفة بوحًا، ويقبض على جمر إيمانه بقيامة يسعى، إليها وبها، إلى سدرة الإنسانيّة.. لأنّ في حروفه رعد الوجع المتساقطة ديمُه شلاّلات أسئلة تهدر براكينها شكًّا يفتح بوابات اللايقين المنذورة لكشف حجب يقين يرشح في ضمير الكون هدوءًا وطمأنينة وحبًّا وصدقًا وحقًا وخيرًا وجمالاً، فيزلزل ما يسكن المتعبين من زنزانات القهر والترغيب والترهيب والوعود الكاذبة، فيعبر بهم ومعهم إلى حيث تعانق الشمس ندى الصباح، ويصير للحيّز الزمانيّ الصوتيّ حيّز مكانيّ، له اسم وعنوان يتمردان على كلّ خانات الانتماء....
إنّ كلمات الشاعر المبدع أغنية فجرٍ تتفتق أنواره صلواتٍ مشحونةً بالصدق والإيمان والرجاء، وبالدعوة إلى نبذ التباغض والتناحر والتمذهب والتطييف، لأنّه ابن الضوء المنبعث من هياكل المحبة والكرامة والصدق ومعاني الجرأة وبشارة القيامة والانبعاث، فيصير رماد شوقه فينيق ولادة لأجيال لم تولد بعد.
الشاعر المبدع إنسان قبل كلّ شيء، إنسان مفكر حرّ يرفض الترقيع والتطبيل والتزييف، ويفجّر صمت المظلومين والمعذبين والمقهورين والمخدرين والمسحوقين، فيتثاءب بصوته جرسُ الصباح ويدندن أغنيات للوعي، ولنهضة إنسانيّة حقيقيّة قوامها حبّ الإنسان لأخيه الإنسان...
إنّه هذه الأنا التي تعرف أنّ مستقرها في نبض حروف تمنح الوجود حياة، والإنسان قيمة، والفكر فعل ولادة وخلق وتجديد، إنّه صوت يمشق الريح ويمتطي العاصفة.