في ذكرى وفاتهِ الـ 25.. علي جواد الطاهر.. الطالب الأديب

منصة 2021/08/30
...

  د. بشار عليوي
هو علي جواد علي طاهر حميد شهيب شبيب آل كروش الاكرع، عميد الأدب العراقي وشيخ النقاد العراقيين، ولد في مدينة الحلة (مركز محافظة بابل العراقية حالياً) بمحلة جبران الشعبية المحاذية لشط الحلة والمجاورة لسوقها الكبير، وتحديداً في «عكد المفتي» أحد أزقة المحلة المشهورة عام 1919، وتلقى تعليمه أولا في «الكتاتيب»، ثم انتقل الى مدرسة الشرقية الابتدائية عام 1928 المحاذية لمحل سكناه وأكمل فيها دراستهِ الابتدائية، لينتقل الى (متوسطة الحلة للبنين) المجاورة لها عام 1935.
دخلَ علي طالباً في متوسطة الحِلّة للبنين في العام الدراسي 1935/ 1936, وبدأ نبوغهِ الأدبي يبزغ مع دخولهِ هذهِ المدرسة التي كانتْ صاحبة الفضل في تشكيل وعيهِ العلمي والأدبي وزيادة مداركهِ المعرفية وهذا ما أكدهُ «الطاهر» في كتاباتهِ لاحقاً بفضل ثُلةَ من مُدرسي متوسطة الحِلّة للبنين الذين درسَ على أيديهم فضلاً عن الجو الثقافي والاجتماعي لمدينة الحِلّة وطابعها الحياتي المديني مُقارنةً بباقي مُدن العراق, فقد درّسه مدرس وصفه الطاهر في ما بعد بأنه معجزة الصف الأول، هو «محمد أحمد المهنا»؛ فهذا الرجل كما يراه الطاهر موسوعة عميقة عجيبة يصول في مادته ويجول، عارفاً بأسرارها، مدهشاً طلابه سواء في الجغرافية أو التاريخ وينبغ أكثر في اللغة العربية لما أدرك من دقائق اللغة وفقه من أسرارها… وحفظ من أشعارها فنبوغه في اللغة العربية نبوغ خاص يغلب على «نبوغاته» الأخرى ودرسه الإنشاء المعلم «أحمد توفيق الحلي» الذي استعانت به «المتوسطة» فوجده أكبر من معلم بما وراء كلامه من فكر وهو يذكي في الطالب حب الإنشاء، والجد في الإنشاء لما يسهر به على التصحيح، ولجدة موضوعاته وظهر تفوق علي في الإنشاء إذ ما كادت درجته تنزل عن الـ 25 من 25, وفي الصف الثاني ذهبت العناية به أنْ شرع «ينظم» موادَّ من كتاب «التاريخ الطبيعي» في الحيوان والنبات، شعراً، ولم يدر- كما يذكر- من دلّه على ذلك، فما سبق له أنْ قرأ الشعر التعليمي أو سمع به وهذا يؤكد تمكنه من الإيقاع، وشروع القدرة على الإنتاج الفني بالتفتح والنمو. ودرّسه «المهنا» مرة أخرى فالتعلم من الطلبة صفة طالما امتاز الطاهر بها وأقرّ بوجودها, وعندما انتهت السنة الدراسية وبدأ- كعادته- بشراء كتب السنة التالية مستعملة من طالب اجتازها ثم بدأت السنة الثالثة, تعرف علي على»ذي النون أيوب» وقرأ قصصه، كان توجه «الطاهر» الأدبي واضحاً وطوعياً.
 
أميناً لمكتبة
مع دخولهِ المتوسطة تأسست مكتبة في المدرسة عام 1935 وكان التأسيس- كما يرى الطاهر – حدثا مهماً، وكان مؤسسها مدرس اللغة الإنكليزية «داود سلمان» وصار علي قيّماً عليها يفتحها للمستعيرين صباحاً وخلال الفرصة الكبيرة وبعد الظهر، في فرح طاغ، وكأنه وجد ضالته، وكانت فرصة له لأنْ يقرأ ما يشاء ويختار ما يشاء, وفي المكتبة قدر صالح من المجلات، وكان في هذه المجلات، المصرية الأسبوعية كالاثنين، والشهرية كالصباح والهلال، وقلما أفلتت مجلة من تصفحه إياها وبين أعداد الهلال عددان متخصصان الأول عن «الربيع» والثاني عن «الشباب»، قرأهما في إمعان، وحوّل خلاصة بحوثهما إلى مقالتين دفعته الثقة بخطى ثابتة إلى أنْ يتقدم بإلقائهما في الاجتماع الصباحي من أيام الخميس لقد كانت المكتبة ومجلاتها ولا سيما المصرية، زاداً جديداً حرص علي على تناوله.
 
مشاركتهِ في كتاب عن الزهاوي
إنَّ المدرس «المهنا» واهب عمره للمدرسة وللتلاميذ وللأدب خصوصاً وقد فعل الطاهر مثل ذلك في ما بعد وهذه المعرفة بعناية علي جعلت اختيار «المهنا» يقع عليه في موضوع «الزهاوي والمرأة» ليكتب دراسة تكوّن مع دراسات أخرى لطلبة آخرين، كتاباً عن الشاعر «جميل صدقي الزهاوي» لتصدر كتاباً بعنوان (الزهاوي بأقلام طلبة متوسطة الحِلّة), أُنجزّ في العام 1937 بمناسبة مرور عام على رحيل الشاعر محمد صدقي الزهاوي، فقبل العرض سريعاً، وتسلّم نسخة من الديوان وفيه باب كامل عن المرأة، وشرع يقرأ ويستوعب حتى إذا استوى الموضوع في نفسه وكان متكاملاً، بدأ يكتب ويكتب حتى اكتمل الموضوع، وسلّمه إلى « المهنا» فرأى عليه علامات الرضا.
 
دور المتوسطة في نبوغهِ
تابع علي «الطالب» في سياق مطالعاته مجلة «الحكمة» التي أصدرها شاعر الحِلّة وأديبها البارز «الشيخ رؤوف الجبوري» في تشرين الأول 1936 وفكر هذه المجلة ينبض بالوطنية التي نبض بها فكر الطاهر, ثم وقع على كُتب «سلامة موسى» في مكتبة المدرسة أحدهما بعنوان «مختارات سلامة موسى» وثانيهما بعنوان «في الأدب والحياة» وقد جهد علي في أنْ يكون مستفزاً واثقاً جديد الالتقاطات، واسع الأفق. ذلك الانتباه جعل كتب سلامة موسى تتبع كتب التاريخ والأدب، وربما تحل محلها في قراءة علي خلال الدراسة المتوسطة، وقد أثرت في تفكيره عميقاً مدة غير قصيرة وقد أكدَ علي التمكن الواضح لمُدرسهِ «المهنا» من مادته.
 
الطاهر مدرساً
بعد تخرجهِ في دار المعلمين العالية ببغداد وعند بدء العام الدراسي (1945 - 1946م) صدر الأمر بتعيين الطاهر مُدرساً للغة العربيَّة والتاريخ الإسلامي في (متوسطة الحِلّة للبنين) ودخلها مرةً ثانية لكن هذهِ المرة مُدرساً في 15/ 10/ 1945 وأصدر في المتوسطة نشرة جدارية باسم «الفجر» وبالتوازي مع عملهِ مُدرساً في متوسطة الحِلّة للبنين, عملَ مُحاضراً في متوسطة الحِلّة للبنات وأسس حينها «مكتبة المرأة», وقد زاملَ الطاهر أُستاذهُ «المهنا» في التدريس داخل المتوسطة, وحينما فكرَ «المهنا» بتأليف كتاب منهجي في قواعد اللغة العربية, رشحَ الطاهر للمُشاركة في هذا التأليف، لا سيما أنهُ يُدرس الأدب وليس النحو, وظل الطاهر مُدرساً في المتوسطة حينما حصل على بعثة دراسية إلى مصر للحصول على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، وانفكَ من المتوسطة بتاريخ 18/ 1/ 1947, بعدها سافرَ باريس حيث حصل على الدكتوراه سنة 1952م، توفي ببغداد يوم 9/ 10/ 1996, ودفنَ في جامع براثا.
الاحالات:
• صباح نوري المرزوك, حلة بابل أوبغداد الصغرى - معجم رجال الحِلّة في الآداب والعلوم والفنون, إصدارات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013, م 2, (بابل: مطبعة الدار العربية, 2013).
• قيس حمزة الخفاجي, الفكر النقدي عن الدكتور علي جواد الطاهر في ضوء القراءة النسقية,(جامعة بابل: مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية, ب. ت).