طبّاخ الرئيس

منصة 2021/09/01
...

 غفران حداد 
وأنا أعيد مشاهدة الفيلم الكوميدي المصري «طبّاخ الرئيس» عبر إحدى الفضائيات الذي تدور قصته حول متولي طباخ بسيط يعيش في حي شعبي وقد مثّل الشخصية الفنان الراحل طلعت زكريا، وتمر الأيام ليفاجأ أن رئيس الجمهورية أحد ضيوفه، ليتم ترشيحه في ما بعد ليكون الطباخ الخاص به، وبمرور الوقت تصبح علاقته متينة برئيس الجمهورية لأنه أصبح نبضاً للشارع المصري ويحكي متولي للرئيس كل أخبار الشعب وحتى آخر النكت التي تقال عن دولته.
سألت نفسي ترى طبّاخ رئيس جمهوريتنا وهو يتجول بين الأسواق اللبنانيَّة ويشتري أصنافاً مختلفة من الخضار والفواكه ألا يخبر فخامته أنّ الأسعار أصبحت خيالية؟ ألا يخبره أنَّ طبق الفتّوش ما عاد سلطة الفقراء بل أصبح تكلفة شراء مواده الأربع عشرة للأثرياء فقط؟
طباخ الرئيس وهو يدخل لمحل "اللحّام" لشراء اللحم ألم يندهش من ارتفاع سعر كيلو اللحم إلى مئة وخمسين ألفاً ولم تعد تفكر الأسر من الطبقة المتوسطة بشرائه، بعد أنْ أصبحت معاشاتها بلا قيمة في ظل سقوط الليرة؟
يبدو أنه لا يفكر بشيء، ولا يوصل أية أخبار ولا حتى آخر النكات لأنَّ طبّاخ فخامة الرئيس شغله الشاغل الوحيد أنْ يعدَّ المائدة العامرة بأشهى المأكولات لفخامته في الوقت المحدد ويضبط مقدار البهار والتوابل وأعداد الطبخات بنكهات طبيعيَّة من الصلصات وأطايب المعطرات.
سيدي الرئيس ملمعو معطفك ترى بماذا إليكَ من أخبار يأتون؟
ألم يخبروك يوماً عن هجرة الآباء غير الشرعية وهم يضعون أطفالهم في قارب الموت لأنهم أيقنوا أنَّ البحر أكثر أماناً من الوطن؟
ألم يخبروك عن الطوابير الطويلة لأبنائك وهم يتقاتلون للحصول على ابريق صغير من الوقود قد يكفيهم يوماً أو يومين كوقود لطبخ الطعام إنْ وجد؟
ألم يكن من واجبك الأهم اليوم أنْ تنزل إلى البيوت والمستشفيات وتخاطب أبناءك وأحفادك وتسعى للملمة جراحهم، وأنْ تواسي أمهات الشهداء الذين رحلوا في انفجار الرابع من آب؟
ألم يكن من واجبك اليوم وبحزم تغيير الوجوه المعرقلة لتشكيل الحكومة؟
لقد بُحت أصواتنا ونحن نطالب أنْ نعيش كمواطنين في وطن يحفظ لنا كراماتنا وحقوقنا.
سيدي الرئيس أعرف أنَّ سطوري هذه لن تصل إليكم لأنَّ فخامتكم لا يقرأ همومنا في صحف بلادنا.. فكيف يمكن أنْ يقرأها في بلاد الرافدين؟
لقد تعودنا أنْ نحكي مع أنفسنا ونكتب لأنفسنا، ربما لأننا وجدنا الخلوة في الحديث والقراءة والكتابة مع النفس علاجاً طبيعياً لكل هذا الجنون الذي يحيطُ بنا.
سيدي الرئيس عندما تلوت خطاب القسم قلت (إنّ من يخاطبكم اليوم، هو رئيس الجمهورية الذي أوليتموه، مجلساً وشعباً، ثقتكم لتحمّل مسؤولية الموقع الأول في الدولة، الآتي من مسيرة نضاليّة لم تخلُ يوماً من المسؤوليات الوطنية).
سأضع عدة خطوط تحت جملة (ثقتكم لتحمّل مسؤولية الموقع الأول في الدولة) هل سألت يوما فخامتكم إنْ كنتم على قدر الثقة وتحمل المسؤولية أم لا؟! 
سيدي الرئيس أطفالنا اللبنانيون اليوم جياع، وبلا حليب، ترى وأنت تأكل ما لذّ وطاب هل فكرت كم طفلٍ جائعٍ الآن؟
هل سألَ نفسه (بَيّْ الكِلّْ) عن أحوال أبنائه؟ 
نحن في أعلى نسبة بطالة.. الشركات أفلست والبنوك التي ائتمناها على أموالنا لم تكن على قدر صون الأمانة.
سيدي الرئيس هل تعلم بتحليق سعر صرف الدولار وأَّن الليرة اللبنانيَّة قد سقطت؟
هل تعلم أنَّ شراء المواد الغذائيَّة وكيس الحليب والفاكهة لمن استطاع إليها سبيلاً. إنْ كنت تعلم فهذه مصيبة كبيرة وفخامتكم لم يجد لها الحل، وإنْ كنت لا تعلم فهذه مصيبة أعظم، ربما حرارة الطقس ودرجاته التي وصلت إلى الثلاثين تتعبك في الخروج من برودة مكتبك ومن قصرك الجميل؟
سيدي الرئيس لا نحاول أنْ نحرج حكومتكم ولا نفكر في تحديها وهل يعدُّ تحّدي الابنة لأبيها لو طلبت منه بتوفير لقمة عيشٍ كريمة وأنْ يشعرها بالأمن والأمان؟!
سيدي الرئيس لقد عَظُم المصاب بوطننا فمتى تدرك صبرنا؟