الإنسان العربيّ والهويّة الأدبيّة

منصة 2021/09/01
...

أ.د. مها خيربك ناصر

لما كان الإنسان هو الإنسان في كل زمانٍ ومكان، فإن فذوذية التجربة الإنسانية تتمخّض في كل مجتمع عن فعل كلاميّ مقنّع بتساؤل يرشح إفصاحًا وتواصلاً ومكاشفة، فأنتج الإنسان بهذا الفعل تراثًا أدبيًّا اختزل اللحظات المضيئة من تاريخه، والتي كانت لحظات تأسيسية لأزمنة لا تنتهي، أزمنة تتجاوز ذاتها في حركة دائمة نحو أمام متمرد على 
الثبات.
تُظهر الآداب العالميّة أنّ الأدب يعكس حركيّة الفكر في كلّ أمّة من الأمم، وهو أشبه بوثيقة اجتماعيّة وسياسيّة وفكريّة، وربّما اقتصاديّة،  فكان الأدب العربيّ في لحظات مضيئة من تاريخه  وثيقة  فكريّة وحضاريّة عكست مفهومًا شموليًّا إنسانيًّا للثقافة، وهو، اليوم، قادر على إعادة إنتاج التجربة الثقافيّة الشموليّة الكونيّة، إذا استطاع الإنسان العربيّ  أن ينتصر على مغريات الغش والخداع والكذب والتلفيق، وأن يتحرّر من التبعية و الاستزلام، والهيمنة، ليرسّخ مكانها مبادئ الصدق والحق والعدل والمساواة والحرية، ويشارك في إنتاج أدب عربيّ قادر على تحويل أهداف العولمة الثقافيّة من سلبية الإلغاء إلى فاعلية المشاركة.
يضمر التراث الأدبيّ العربي مخزونًا له هويّة قوميّة، وهذا التراث يحتاج إلى إحياء العناصر القابلة التفاعل، وإلى نقدها وتحليلها وفرزها، ومن ثمّ خلق حوار نقدي/ موضوعي بين الأصالة التراثية و الذات العربيةّ، من جهة، ومع الآخر الوافد والمختلف في نظامه الفكريّ وأدوات مختبره الإنتاجي الثقافيّ، في الجهة الموازية، فيثمر الحوار رؤيا جديدة تتجاوز تحقيق الحاجة ، وتتخطى المفهوم الثقافي السائد، فتكون العلاقة مع الموروث علاقة نقد وتأسيس، والعلاقة مع الآخر علاقة فحص وتمحيص، ويتكرس منتج المعادلات الحوارية النقدية/ الموضوعية حركة فكريّة تتسم بهوية قومية تكسب المنتج الفكري الجديد حضورًا معنويًّا على مسرح الثقافة العالمية، وتكون العلاقة مع الآخر المختلف علاقة متكافئة، من دون التطرف، سلبًا أو إيجابًا، وهذه العملية تحتاج إلى وعي تام بطبيعة العلاقة بيننا وبينه، ولقد عبّر جبران عن ذلك بقوله: 
{إن روح الغرب صديق وعدو لنا، صديق إذا تمكّنا منه، وعدو إذا تمكّنا منا، صديق إذا فتحنا له قلوبنا، وعدو إذا وهبناه قلوبنا، صديق إذا أخذنا منه ما يوافقنا، وعدو إذا وضعنا نفوسنا في الحالة التي 
توافقه}. 
يرتبط دور الوعي بتفعيل مهمة العقل الفاعل والفعّال الذي به وحده يستطيع  المفكر العربي أن يكرّس تجربته فعلاً حضاريًّا، وأن يتجاوز محنته الثقافية، ليبدأ رحلة الكشف والمصالحة، وينتج أدبًا مرتبطًا بالحياة، ومكتوبًا بلغة عربيّة سليمة تؤكّد فصاحتُها التمسكَ بالهويّة، والرغبةَ في أن يكون هو هو، وبهما يؤسّس لأزمنة لا تنتهي، أزمنة تتجاوز ذاتها في حركة دائمة نحو أمام متمرد على 
الثبات.