عفاف مطر
تقول الحكاية إنَّ بنت المعيدي تميزت عن قريناتها بجمالها الفائق، حتى أنَّ صورتها ما زالت تتوسط بيوتات ومضايف أهالي أهوار العمارة وفي الأسواق والحوانيت، وصورتها تسيدت الصور كلها في ثلاثينيات القرن الماضي، لدرجة أنَّ صورتها كانت توضع في المضايف الى جانب صورة الملك فيصل الأول وفيصل الثاني، ووصلت صورها الى مقاهي ومحال المدينة، فغدت جزءاً من الذاكرة الجمعيَّة.
بعض الباحثين في شؤون الأهوار، يقولون إنَّه قد يكون للخيال المجتمعي دورٌ في حكاية بنت المعيدي وإنْ كان أصل الحكاية واقعياً، وهذا قد يفسر تحول حكاية هذه الفتاة الريفيَّة البسيطة الى أسطورة متداولة وموروثة عبر عدة أجيال الى يومنا هذا.
أصل القصة أنَّ البريطانيين حين وصلوا أرض الأهوار افتتن بها كل الضباط والجنود، الضابط مكسن كان أحدهم، إذ دُهش حين رأى سحر جمال بنت المعيدي، وكان يشبهها
بالموناليزا.
بطبيعة الحال كان في الجيش البريطاني لا بُدّ من وجود رسامين بين صفوف الجنود، من هؤلاء الرسامين رسام قام برسم بنت المعيدي، هناك من يقول إنَّه رسمها وهي تحلب الجاموس، وهناك من يقول إنَّه رسمها وهي تطبخ خارج البيت أو وهي تقوم بخبز الخبز في التنور، والكثير من الروايات الأخرى لا يعرف مدى دقتها. مكسن اتبع العادات والتقاليد أخذ معه جاهة ليخطبوا له بنت المعيدي، لكنَّ والدها مربي الجاموس رفض، أولاً لأسبابٍ دينيَّة فهو بطبيعة الحال مسيحي وابنته مسلمة، وثانياً هو جندي محتل ومن العار والمخل اجتماعياً وعشائرياً أنْ يزوج ابنته لجندي محتل.
بعد فشل مكسن في خطبة الفتاة، وضع خطة لاختطاف الفتاة ووضعها في إحدى طائرات القوة الجوية البريطانية وأخذها معه الى بريطانيا.
هناك من يقول إنَّه نجح في خطته وسافرت معه الى بريطانيا، وهناك من يقول إنَّها قفزت من الطائرة ورجعت الى منزل والديها وبقيت في الأهوار حتى توفيت، وهناك من يقول إنَّ مكسن كانت له زوجة أولى، وحين أنجبت بنت المعيدي ولداً من منه، قامت الزوجة الأولى بقتل ابنها، فلم يكن من بنت المعيدي سوى أنْ تقتلها وتقتل مكسن الذي اختطفها ومن ثم تمكنت بطريقة أو بأخرى من الرجوع الى العراق.
الاسم الحقيقي لبنت المعيدي ليس معروفاً بدقة، هناك من يقولون إنَّ اسمها ليلى، وآخرون يقولون إنَّ اسمها فاطمة، وهناك من يقول إنَّ اسمها جميلة، وقد يكون اسمها أحد هذه الأسماء وقد يكون ليس أياً منها.
في الأدب الشعبي الكردي القصة ذاتها حدثت في قلعة أربيل لفتاة اسمها فاطمة، فاطمة كانت تكنس عتبة دارها ورآها ضابطٌ بريطاني ووقع في غرامها، وأرسل جاهة من كبار رجال الحكومة لخطبتها ووافق أهلها وتم تزويجها له، وسافرت معه الى بريطانيا وأنجبت منه الأبناء، ولغرض طمأنة أهلها عليها طلب زوجها من أحد الرسامين أنْ يرسم لوحة لزوجته ليرسلها الى أهلها في أربيل، حين وصلت اللوحة الى منطقة قلعة أربيل احتفل أهل المنطقة بها وأخذوا ينسخونها ويعلقونها في بيوتهم.
بطبيعة الحال أنا أميل ونظراً للثياب التي ترتديها بنت المعيدي الأهواريَّة أو فاطمة الكرديَّة، أنها تنتمي الى الإرث الثقافي لأهالي أربيل أكثر من الأهوار، فالثياب التقليديَّة لفتيات الأهوار عادة تكون سوداء اللون ويضعن على رؤسهن الشال الأسود أيضاً. لكنَّ القصد ليس أصل الحكاية وهويتها القوميَّة وعن كونها حقيقة أم خيالاً، بقدر ما أنَّ قصة هذه الفتاة في اللوحة تعبر عن ثيمة واحدة تعتمد على الجمال والحب.
وبيني وبينكم أعدها الثيمة الأغنى لبناء أي حكاية مهما كانت وفي أي بيئة وفي كل زمان، ثيمة تضمن كما ضمنت لبنت المعيدي، الخلود والتأثير في قلوب الناس.
ـ