الرصد الإلكتروني للحملات الانتخابية في العراق

منصة 2021/09/11
...

  الدكتور صفد الشمري *
 
مع بدء ممارسات رصد الحملات الانتخابية في العراق، تكون العناية بخصوصية الأوعية الرقمية غاية في الأهمية، لما تحتوي عليه بيئتها من امكانيات متقدمة في التحايل حتى على النظم القانونية نفسها، لما احتكمت عليه من مزايا جعلت من التوصيف الدقيق لحالات خرق لوائح تلك النظم، التي يمكن ان يرتكبها القائمون عليها بذاته أمراً يفتقد إلى الوضوح ويصعب الوقوف على مدى دقته في أغلب الحالات!.
في تحليل المحتوى
تستخدم اغلب ممارسة مراقبة وسائل الاعلام والأوعية الرقمية في الانتخابات ما يعرف بآلية {تحليل المحتوى}، الذي يكون تحليلاً سطحياً كمياً في طبيعته الى حد ما، بحكم معالجته لعناصر الانتاج الاعلامي والرقمي، التي يمكن عدّها وقياسها، لذا تعرّض هذا التحليل الى انتقادات ارتبطت باقتصاره على ما يمكن قياسه فقط، وعدم تناوله لمجالات اخرى متعددة ترتبط بنتاجات وسائل الاعلام المتعددة، قد يكون واحداً من الإيماءات والايحاءات غير المباشرة، التي يصعب الوقوف أو الاتفاق على ماهيتها بالتحديد.
وعادة ما يقوم الرصد الكمي للتغطية الاعلامية والإلكترونية للانتخابات بالتركيز على تخصيص الوقت، تبعاً لمختلف الاحزاب والمرشحين، وقد يتم تحديد النوعية بإجراء تقييم يشير الى اذا ما كانت التغطية متوازنة ام انها غير ذلك.. وعلى الرغم من ان تلك القياسات يمكن ان تكون كمية ايضاً لكنها في اساسها تعد احكاماً نوعية، بحسب دراسات المختصين.
من هنا.. اعتمدت بعض المنهجيات ادخال انواع اخرى من القياسات الكمية في محاولة لتجنب الاعتماد على تقييمات المراقبين عمّا اذا كانت التغطية الاعلامية والرقمية ايجابية أو سلبية، حين يقومون على سبيل المثال بعد المصادر التي يستخدمها الصحفيون وإسنادها الى فئات سياسية او اجتماعية مختلفة، وقد يكون ذلك قياساً أكثر توازناً وموضوعية، من وجهة نظر بعض المختصين.
وقد يتم تحديد الأشكال الاعلامية أو الرقمية حسب الموضوع، الأمر الذي يراه البعض مفيداً للأحزاب السياسية في الحملات الانتخابية التي تخوض في الكثير من الاحيان حول القضايا المتعددة التي تهم ناخبيهم، وقد يشكل اختيار وسائل الاعلام والأوعية الرقمية للمصنفات مؤشراً حساساً لتعاطفها السياسي.
الدليل نحو المنهج
توّثق الممارسات الدولية في رصد الحملات الانتخابية التقليدية والإلكترونية مجموعة من المبادئ، التي يتطلب توافرها للراصدين في حال قيامهم بتنفيذ مهامهم، يتمحور أغلبها في الإجابة عن التساؤلات التي ترتكز في: ما هي الاهداف العامة للرصد، هل ان المقصود منه ان يكون عملية تدخل بنّاءة في تنفيذ الانتخابات، بمطالبة وسائل الاعلام والمجال الرقمي بالالتزام بالمعايير المهنية، ام انها تهدف في المقام الاول توثيق اذا ما كانت التغطية الاعلامية عادلة ومتوازنة، وهل يوفر الرصد نظرة واسعة على مساهمة وسائل الاعلام في اجراء انتخابات نزيهة وحرة، أو على جوانب معينة بشكل أكثر تحديداً؟.
ومن هو الجمهور المستهدف بالنتائج، وما الشكل الذي ستأخذه تلك النتائج، وما عدد المرات التي سيتم الابلاغ فيها عن تلك النتائج، وما هي الموارد المتاحة أو المطلوبة، وما هي أفضل طريقة لتخصيصها لمهام الرصد، وما هي وسائل الإعلام والأوعية الرقمية التي يتعين رصدها، وهل ستكون مجموعة مختارة من تلك الوسائل، أم جميع وسائل الاعلام المحلية الكبرى، وماذا عن الوسائل غير المحلية، وأية أجزاء من انتاج وسائل الإعلام سيتعين رصدها، وهل سيتم تحديد البرامج الاخبارية والسياسية مثلاً، أم كل المخرجات وخلال أوقات معينة، أم انواع المخرجات جميعها، وهل يسعى الرصد لجمع البيانات فقط، حول كم من الوقت تم تخصيصه لمختلف الأحزاب أو المرشحين، أو انه سينظر كذلك إلى جوانب أخرى من التغطية، ومنها انتخاب قصص اخبارية أو محتويا رقمية بعينها؟.
 
من يهتم بالتقرير؟
واحدة من الجوانب المرتبطة باعداد وتنظيم تقارير الرصد الإعلامي والإلكتروني للحملات الانتخابية يرتبط طريقة نشر نتائج هذا الرصد، وكيفية تناولها تكون مختلفة تبعاً لنوع الرصد الذي تم، ومن الذي كان يجريه، وعلى سبيل المثال فان البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات لا تبلغ عن نتائجها حتى انتهاء الانتخابات، أو بعد انتهاء الحملة، باستثناء تقرير مؤقت واحد في القدر المتوسط.
بينما تقوم هيئات الانتخابات أو أية منظمة محلية غير حكومية بنشر النتائج التي تتوصل اليها بشكل منتظم، ويكون ذلك مرة في الاسبوع على الأغلب، وقد يكون يومياً في مراحل متقدمة من الحملة الانتخابية، ويعود ذلك الى ان الغرض الذي يراد منه في رفع تلك التقارير، هو التأثير في التغطية الاعلامية والرقمية وتصحيح مساراتها، سواءً كسلطة تنظيمية او مجموعة ضغط، وهنا يكون من الضروري ان تحتوي التقارير، وحتى القصيرة منها، على عناصر معيارية معينة، تتمثل في: وصف المشروع ومنهجيته، وعرض البيانات والنتائج، ومن ثم تقديم الاستنتاجات والتوصيات.
وهناك من يرى ان نشر نتائج التقارير على شكل رسومات بيانية للجمهور يكون اكثر وضوحاً من الوصف السردي لها، مع الحذر بعدم اختصارها على النسب المئوية، بل تضمينها بعض الشروحات لتسهيل فهمها من قبل الجمهور، ويكون للتوصيات أهمية فائقة لإحداث تغيرات مستقبيلة في اداء وسائل الإعلام والأوعية الرقمية، ناهيك عن إمكانية إجراء تعديلات في القوانين واللوائح المحلية التي تنظم الحملات في الانتخابات.
ويجري في العادة توزيع تقارير الرصد الإعلامي للانتخابات إلى: المؤسسات الإعلامية، وهيئات ادارة الانتخابات، والاحزاب السياسية، والهيئات التنظيمية لوسائل الإعلام والمجال الرقمي، والمنظمات المحلية غير الحكومية ذات الصلة، الهيئات المهنية لوسائل الإعلام (نقابات الصحفيين وجمعيات الإعلام)، ومجموعات المراقبة المخوّلة، فضلاً عن الهيئات الدبلوماسية والجهات المانحة في بعض من الحالات.
 
قواعد التغطية
تعمل هيئة الاعلام والاتصالات في العراق بموجب لائحة قواعد التغطية الإعلامية للانتخابات في تعاملها مع جوانب الرصد الحملات، التي عرّفت وسائل الإعلام كل وسيلة إعلامية تعمل على نقل أو بث إشارات أو نصوص أو صور أو مواد مسموعة أو مرئية أو معلومات مقروءة موجهة الى الجمهور، ويشمل ذلك وسائل البث الإعلامي تلك التي يتم بثها عبر الاقمار الصناعية ايضا، وتوجب المادة الثانية من اللائحة جميع وسائل الإعلام، بالالتزام بالمعايير المهنية الخاصة بإتباع الدقة والتوازن عند تغطيتها نشاطات أي مرشح أو كيان أو تحالف سياسي.
ولا يجوز ان تتقصد اية وسيلة من وسائل البث الإعلامي تحريف المعلومات أو حجبها أو إساءة عرضها، إلى جانب اعتماد النزاهة والموضوعية في بثها لأية مواد خاصة بالانتخابات، أو عرض التغطيات والبرامج الإخبارية (برامج المناقشات واللقاءات والحوارات التي تتعلق بأي كيان أو تحالف سياسي أو أي من مرشحيهما، أو بمشاركتهم، وانه ينبغي تمييز الرأي تميزاً واضحاً عن الوقائع والحقائق او الآراء. فضلا عن ضرورة تجنب الخلط بين التغطية الإخبارية العامة، وبين المتابعات الخبرية والبرامج السياسية المتعلقة بالانتخابات.
وتتناول لائحة قواعد التغطية الانتخابية في مادتها التاسعة حق الرد، بان {لأي كيان أو تحالف سياسي او مرشح يتعرض لتحريف وجهات نظره او الافتراء عليه نتيجة لمواد تم بثها من قبل اية وسيلة بث إعلامي، وبشكل يؤثر عليه او على حملته الانتخابية أثناء مدة الحملة الانتخابية، أن يتقدم الى هيئة الإعلام والاتصالات، في حال رفضت وسيلة الإعلام المعنية تصحيح المعلومات او إعطاءه حق الرد بمذكرة يطلب فيها حق الرد في وسائل الإعلام ذاتها، شريطة ان يتم ذلك خلال مدة الحملات الانتخابية. وفي حال وجدت الهيئة بان هذا الحق مبرر، فان لها ان تلزم الجهة التي بثت المادة، بأن تمنح الأشخاص المعنيين حق الرد المناسب. ويتعين على الجهة الإعلامية منح هذا الحق في اقرب فرصة ممكنة، وخلال المدة الانتخابية}.
واشارت المادة السادسة إلى ان الهدف من إقرار مدة الصمت الإعلامي، هو الحفاظ على حق الناخبين في الحصول على فرصة كافية للتفكير بقرار التصويت، ولهذا لا يحق لوسائل الإعلام، سلب هذا الحق من خلال بث الدعايات الانتخابية لأي مرشح أو كيان او تحالف او ائتلاف سياسي خلال مدة الصمت الاعلامي التي تحددها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ولا يجوز لأي وسيلة إعلام، بث او نشر دعايات انتخابية لأي مرشح أو كيان او تحالف او ائتلاف سياسي، قبل أن تعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بذلك، كما لا يجوز ان تبث وسائل الإعلام تغطية اعلامية انتخابية لأي من الكيانات او الائتلافات او المرشحين خلال مدة الصمت الاعلامي، والتي تبدأ من موعد انتهاء الحملة الانتخابية وتنتهي بإغلاق آخر مركز من مراكز التصويت.
ويحق لجميع وسائل الإعلام بث المواد التثقيفية الخاصة بالانتخابات بشكل عام، بشرط ان تمتنع بشكل كامل عن بث المواد التي تحمل تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في قرار الناخبين في اختيار مرشحيهم، وعلى جميع وسائل الإعلام، احترام هذا الحق وعدم بث المواد التي تتضمن أي نوع من أنواع الترويج الانتخابي، المباشر او غير المباشر، لأي من الكيانات والتحالفات المتنافسة في هذه الانتخابات أو مرشحيها، كما تلتزم وسائل الإعلام بعدم بث أية مواد تهدف للإساءة الى مرشحين او كيانات او تحالفات متنافسة في الانتخابات في مدة الصمت الاعلامي، ويعد اي حديث او مادة اعلامية فيها اشارة الى او ضد مرشح او كيان دعاية انتخابية، ويسري ذلك على البرامج والحوارات والمواد المعاد بثها في فترة الصمت الاعلامي.
ولإتاحة حق الرد بموجب اللائحة، تطبق هيئة الإعلام والاتصالات عدداً من المبادئ ومنها: {يتاح حق الرد على معلومات غير صحيحة فقط ، وليس الرد على التعليقات أو الآراء التي لا يتفق معها المشاهد او المستمع، ولن يتاح حق الرد في حال اقتناع الهيئة بان تصحيح أو نفي المعلومات من قبل الوسيلة الإعلامية كان كافيا، ويجب ان يعطى الرد، بما يتناسب مع حجم الضرر، وليس بالضرورة مطابقا له، ولن تكون وسائل الإعلام ملزمة بنشر رد ما، إلا بما يناسب الخبر الأساس، ولا يجوز لوسائل الإعلام، بث او نشر أي رد غير قانوني، أو يتسم بالإهانة، كما لا يجوز استغلال حق الرد في فتح موضوعات جديدة، أو للتعليق على حقائق صحيحة وواقعية.
وتفيد قواعد نظام وسائل الاعلام للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، ذي الرقم {4} لسنة 2020 في مادتها الثالثة بضرورة تولي وسائل الاعلام مسألة تثقيف الناخبين وتوعيتهم بشأن أي حدث انتخابي، باستخدام نشرات الاخبار والبرامج التلفزيونية والإذاعية والإلكترونية، وتمكين المرشحين والاحزاب والتحالفات السياسية من تقديم برامجهم الانتخابية بشكل عادل، وتوفير مدة يتم الاتفاق عليها للحملات الاعلامية التي تقوم بها المفوضية.
وتشترط المادة الخامسة  من تلك القواعد التزام الدقة والامانة والصدق وقواعد السلوك الاعلامي في نقل المعلومة الانتخابية، وعد نشر أية معلومة تخص مراحل العملية الانتخابية دون التأكد من صحتها لدى مصادرها الرسمية، والاشارة بوضوح الى الانظمة والاجراءات والبيانات او غير مدفوعة الثمن، كالاخبار والنشاطات الاعلامية الاخرى، الى جانب عدم التدخل في عمل مفوضي المفوضية والتقيد بما يصدر من تعليمات، وعدم تصوير اي شخص متواجد في مراكز المفوضية من دون موافقة صريحة منه، والحفاظ على سرية الاقتراع وعدم الكشف عن نيّة الناخب في التصويت او بياناته الشخصية.
ويتيح نظام وسائل الاعلام في مادته السادسة صلاحية سحب الاعتماد من اي اعلامي او وسيلة اعلامية لا تلتزم بتعليماته، واحالة المخالفات المرتكبة من قبل وسائل الاعلام الى هيئة الاعلام والاتصالات، بينما تحال المخالفات بموجب المادة الثامنة، والتي تشكّل جرائم انتخابية الى المحاكم المختصة.
 
الخصوصية الإلكترونية
تمسي الحملات الانتخابية الإلكترونية العراقية، ومدى أثرها في التنافس الانتخابي في البلاد، بأمس حاجتها للرصد، شأنها شأن وسائل الإعلام التقليدية، لضمان جوانب التوازن والموضوعية والحيادية وحماية القيم الديمقراطية، الأمر الذي يستوجب دعم قابليات القائمين على هذا الرصد بالمهارات الرقمية اللازمة لتأمين تلك المهمة، ويستدعي مراجعة القواعد المعنية بتنظيم العمل الإعلامي في العراق، على وفق المستجدات التي أحدثتها التقنية الرقمية في المجتمعات، لضمان تقويض القدر الممكن من ممارسات التحايل!.
 
*خبير التواصل الرقمي