غفران حداد
صلاح أبو سيف أحد أبرز مخرجي السينما المصريَّة والعربيَّة، كانت أفلامه الـ٤٢ من أبرز كلاسيكيات السينما العربية والعالميَّة.
مَن منا لم يستمتع في مشاهدة بصمات إخراجه في أفلام «السقا مات»، «القاهرة 30»، «الزوجة الثانية»، «الفتوة»،
«أنا حرة» وغيرها الكثير.
كان حكّاءً ومخرجاً محنكاً، استطاع أنْ يرصد بكاميرته السينمائيَّة واقع المجتمع المصري، ولديه لغة سينمائيَّة نادرة في توظيف رؤى فنية تعبّر عن تجليات الواقعيَّة بين القرية الريفية والحارات الشعبية والباشوات والأفندية، عبّر بأفلامه عن كل الاتجاهات التي يعيشها الجمهور العربي من الاتجاه الاجتماعي، الاتجاه الرومانسي وحتى النفسي، لهذا لا نستغرب من مشاهدة جيل الثورة الرقميَّة أفلام صلاح أبو سيف، كيف لا وأعماله ارتبطت بالاتجاه الواقعي وعبّرت عن المشاعر الإنسانية في كل زمان ومكان، مهما اختلفت طرق العيش وتطور تقنيات وأسلوب حياة الناس.
في فيلم «الأسطى حسن» الذي عرض في العام (1952)، يقدم لنا المخرج صلاح أبو سيف، حسن (فريد شوقي) العامل الفقير في ورشة خراطة، رجلاً ناقماً على معيشته الصعبة وظروفه الماليَّة المتدنيَّة لتأتي عزيزة (هدى سلطان) لورشته وتدعوه لتركيب الديكور في فيلتها، لكنَّ حسن يتورط معها في علاقة محرمة ويقع في براثن الانحراف ويتم اتهامه بجريمة قتل ينجو منها بأعجوبة.
هذه عينة من التعبير الواقعي من حيث الشخصية والمكان للمخرج صلاح أبو سيف عن تردي الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وأثرها في المواطن والأسرة المصريَّة.
تبعه فيلم «ريا وسكينة» متناولاً واقعة حقيقيَّة تعود الى العام 1920 عن عصابة نسائيَّة تستدرج الفتيات بسرقة مصوغاتهن الذهبية بعد قتلهن وتم إنتاجه في العام 1953.
ليختم بعدها صلاح أبو سيف مرحلة الفيلم الواقعي من خلال «الفتوة» (1957) ويذهب هريدي (فريد شوقي) الى سوق الخضار بحثاً عن العمل ليجد فرصة بعد عدة محاولات لدى المعلم أبو زيد (زكي رستم) الذي يعدُّ رجلاً صعب المراس وأكثرهم سطوة في السوق ليتزوج بعدها هريدي من المعلمة حسنية (تحية كاريوكا) ويشّكل معها مضاداً لأبو زيد ليصبح هريدي من كبار التجّار.
كان فيلم «الفتوة» يستحق أنْ يكون على قائمة الأفلام الواقعيَّة، لقد رصد أبو سيف عمق أدق تفاصيل آليات السوق الرأسمالي في مجتمع فقير تحكمه سلطة فاسدة وتضيع فيه حقوق الناس المظلومة، لقد صوّر لنا الصراع بين الكبار بجبروتهم والصغار بضعفهم للحصول على لقمة العيش، واختار المخرج صلاح سوق «روض الفرج» لرصد هذا الصراع لوصف البيئة بشكل واقعي ومعروف للجمهور المصري بأنه أكبر أسواق الجملة وأكثرها صدى عن المشكلات اليوميَّة التي تحدث فيه.
وبالطريقة نفسها يقدم أبو سيف ثيمة الرومانسيَّة أيضاً من خلال رؤية فنيَّة واقعيَّة، ففيلم «الوسادة الخالية» (1957) صوَّر لنا السعادة المستحيلة في إطار رومانسي راقٍ، أيضاً فيلم «البنات والصيف» (1960) مع عبد الحليم حافظ، قدم ثلاث قصصٍ من عوالم مختلفة تدور في أجواء الصيف بتقلباته وعلاقاته العاطفيَّة، ما بين الحب والإخلاص والخيانة، وقد أبدع الكاتب إحسان عبد القدوس في كتابة الفيلم كبقية أعماله السينمائيَّة والأدبيَّة.
لقد استطاع أبو سيف من خلال هذه الأعمال رصد أدق تفاصيل مشاعرنا الداخلية وأرق ارواحنا المتعبة.
مشوار فنان الشعب المخرج صلاح أبو سيف طويل لا يمكن اختصاره في مقال واحد فهو أهم مرحلة في تاريخ السينما المصريَّة والعربيَّة وتاريخ طويل مليء باالنجاحات والجوائز والأوسمة الكثيرة في مهرجانات عربيَّة ودوليَّة وكتب أهم النقاد مقالات نقديَّة عن أعماله فالناقد والمؤرخ الفرنسي جورج سادول تحدث عن أفلام صلاح أبو سيف قائلاً «خلقت في مصر تياراً لا تقل فعاليته عن تيار الواقعيَّة الجديدة الذي نشأ في إيطاليا وإنكلترا وفرنسا وأميركا.. أبو سيف يعدُّ واحداً من أفضل عشرة مخرجين في العالم».
وصلاح أبو سيف المولود في مركز الواسطي بمحافظة بني سويف في العاشر من أيار/ مايو 1915 بدأ حياته بالعمل في شركة النسيج بمدينة المحلة الكبرى إلى جانب عمله بالصحافة الفنيَّة وفي العام 1939 وقبل سفره إلى باريس لدراسة السينما عمل صلاح ابو سيف مساعداً أول للمخرج كمال سليم في فيلم «العزيمة» والذي يعدُّ الفيلم الواقعي الأول في تاريخ السينما المصريَّة ليكون في ما بعد مخرجاً ورائداً في السينما الواقعيَّة ونجح باختيار الروايات الأدبيَّة لتكون قصصاً وسيناريوهات لأفلامه لأجمل الأقلام الأدبيَّة من نجيب محفوظ إلى أمين يوسف غراب وإحسان عبد القدوس.
رحل أبو سيف في 22 حزيران/ يونيو 1996 عن عمر ناهز 81 عاماً، بعد رحلة فنية طويلة عبر فيها عن مشاعر أفراح وأوجاع المجتمع المصري.