الشهداء رفعة وطنية مقدّسة

منصة 2021/09/15
...

 أ.د. عقيل مهدي يوسف
 
حاول الكاتب (عكَاب) أن يحاكي (موضوعاً) يخصّ الشهداء من العسكر، بتفجير (ارهابي) يتقصد أرواح، ضابط، وعريف، وجندي.. محاولاً (افتراض) أنهم، الآن في (مقبرة) تضمّ رفاتهم، لكنهم، بقوا دائبين على أداء «مقتضيات» (التدريب) اليومي العسكري، على وفق خطة يومية معتمدة. 
هذا (النص) السابق بات مادة «لاحقة» في (العرض) الذي حرص على تجسيد فضاء  متخيل، لتقديم (مركَب جديد)، يتفاعل مع الجمهور، بحميمية، وتعاطف انساني، في «حوارات»، باتت لها الصدارة في (القاء) الممثلين، فهي التي تدلنا على بؤس عصابة الموت، التي تعرضت الى أزهاق أرواح طاهرة من الشهداء ، ويستكمل بعضا من الأحياء تدنيس حرمة الموتى بإلقاء فضلاتهم، على القبور، هنا يتناغم فعل المسرح، مع قيم الخير، وتتفاعل الحكمة مع الحرية، والمثالي مع الواقعي، متقاطعاً، في بعد الحياة «التنويرية»، ضدّ (عتمة) الموت، والانفلات اللامسؤول والعبثي. تجاه الذين ضحوا بأنفسهم من أجل (الأحياء).
وفي حديث نبوي (ان لزوال الدنيا، أهون من قتل مؤمن بريء)، هم قتلوا، وكانوا من التقاة الذين يحمون مراسيم وطقوس دينية.. كانوا يؤدون واجبهم العسكري في حماية مسالمة لشعائر ايمانية فاضلة ولكن.. زهقت أرواحهم الطاهرة بعد تفجير (ارهابي).
حاول (المخرج) تقديم (شكل) فني، لمضامين (النص) بطرائق فنية، تخصّ اسلوب القاء الحوار، وتجسيد الصورة للمشاهد، وتوظيف المؤثرات الموسيقية والسمعية (كأن تسمع باستذكارات الجندي، صوت خطيبته في الهور، وهي تلتمسه في البقاء، معها، ولا يتركها الى مستقبل مجهول! كما حدث في ما بعد بينهما). أو تسمع (الضابط) تناشده أسرته، بأصوات الأطفال، بالبقاء في المنزل، او يدهم الصالة صوت انفجار يهزّ أركان أسرة مسالمة، بحادث مروري سابق، لا تنجو منه العائلة برمتها، ويبقى (الأب) مكبلاً بآلامه وأوجاعه، التي لم يمهله (الدهر) طويلا، حتى ليلحق بهم عند ذلك الانفجار الارهابي الكاسح، الذي أودى بحياته أيضاً.
وظّف المخرج طرائق تعبيرية، في انتقالات المكان، واختزال الزمان، من خلال الضوء والظل، والحركة والسكون برؤية محمّلة بأفكار وأحاسيس، تجمع (الماضي) وسردياته (التاريخية)، مع البنية المستعرضة (الراهنة) التي تشتمل على بعدٍ تقني ممتد يجمع مكونات المشهد وشخوصه في حياتهما الاولى وفي حياتهم «المقبرية» الثانية. باعتماد «الشكل» الثابت – والمتحرك، الرتيب – والمفاجئ ليظهر طبيعة المتغيرات في عالم «تحت أرضي»، مع استذكارات «فوق أرضية» معمقة لثيمة العرض، ومجسدة لموضوعه.
وما (الفن المسرحي) سوى ما يتم اختياره من مواقف حياتية، ولكنها مشكّلة على وفق أبعاد جمالية، تطهّر الأهواء، وتفرز الصالح من الطالح في أعمال البشر.
وكأن فكرة مواصلة الحياة، من داخل مقبرة، هي محاولة فنية مبتكرة، لتخطي الشكل التاريخي والاجتماعي الذي سبق ان خبروه، لإحلال بدليل عنه بشكل (جوهري) صوري، تجريدي، يتخطى تجربتهم الحياتية، الحقيقية، التي كانوا يعيشونها.
حرص الكاتب والمخرج على تحفيز الجمهور، لأن يستقرأ، ما خلف السطور، والحوارات في (النص)، وما يضمره (العرض) من داخله، من دلالات.. في مساحات صامتة و»فارغة» تقتضي القيام من قبل المتفرج، بوضع تأويلات، لحلول وأفكار، ومسوغات مقترحة، يشاطر فيها صنّاع العرض المسرحي، باستكمال (الخطاب الفني) بوصفهم، طرفاً فاعلاً فيه أيضاً.
وهم يشاطرون الكاتب والمخرج بأن تجعل الوجود (المستحيل) خاضعاً، للممكن تحقيقه على الخشبة.
بهدف ايصال (ثيمة) العرض، لتعميق نظرة المتفرج، بمعرفة رصينة لما يجري حوله الآن، مقارنة بما جرى في (الأمس).
وكما يذهب (شكسبير) في قوله: بأن (الحياة مسرحية) وآخر من المنظرين بأن (التاريخ مسرحية، يخرجها ويمثلها الناس).
وبالتالي تنفتح جماليات الفن، على ان يجتمع فيها الضدان، من غير انفصال، انما باتصال جديد مركّب ومشوّق.
ويبقى لكل عرض مسرحي، اختلافاته، وتعارضاته المتفردة، التي تجسدها آلية الجسد ومهاراته ودقة اشاراته وايماءاته وميوله لدى الممثل بمنظومتها الفاعلة في العرض بطابعه الحسّي، ولغته الخاصة، بالافصاح عن دلالاته الفنية الداخلية، وليس الملامسة السطحية العابرة لصورة العرض التعبيرية وذلك حين تهدف بشكل زائف لتصديق مادة خارجية (ايقونية) جامدة.
فالعرض (الجاد) لا يعزل مهمته الابداعية، بمعزل عن فضاء المجتمع المعاش، ومن بين ذلك هو كيفية التصدي للارهاب، وقدسية الدفاع الحرّ والنزيه عن حياض (الوطن).
تم تعميق تلك القيم الأخلاقية، بقصدية اخراجية جمالية معيّنة، من خلال الأدوات الدرامية، الشائقة، والترميزية، بفكرتها الانسانية – الوطنية.
استنبط العرض من النص، عالماً مرئياً ومسموعاً، لشهداء، ما زالت (غصّة) موتهم.
لعنة على الارهابيين، وتقديساً للشرف والبطولة لديمومة «حياة» حرّة، كريمة على ارض الوطن.
الفلوجة – فرقة (المنتدى المسرحي الجاد)
تأليف: عكَاب مجدي
عرض – انتهاكات – اخراج: معاذ عكَاب
تمثيل: معاذ عكَاب – عبد الله كريم – عثمان الحلبوسي.
المنظر: ثلاثة (بارتشنات) بيضاء موزعة بين جوانب المسرح ووسطه، أمامها (مكعبات) في (الخلفية) قطعة قماش، مقبرة، تتراكم عليها (أكياس) سوداء من (الأزبال)، المرمية.
(سينوغرافية) مطيع الجميلي، الموسيقى وسام وزيدون.
اضاءة (مجباس الجميلي) – أصوات الأطفال: مريم المختار، شمس المختار.
ادارة مسرحية: زياد العلواني.
جمالية العرض: من أبرز الخصائص في جمالية العرض المسرحي، هو التشكيل الفني، لأحداثه الدرامية، بمشاهد، تتجسد فيها، بنية، فنية من خط، وكتلة، وفراغ، ولون «تنشطها طريقة رسم، حركة الممثل، والاكسسوارات، في اطار خطاب يحمل دلالاته القصدية من قبل المخرج» لزمان الاحداث ومكانها (المفترض).