الرومانسيَّة في السينما اللبنانيَّة

منصة 2021/09/19
...

  غفران حداد 
تعد السينما اللبنانية واحدة من أقدم الصناعات السينمائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جانب السينما المصرية برأي العديد من النقاد والمؤرخين. في عام 1929 أنتج الفيلم اللبناني الأول «مغامرات إلياس مبروك» وهو فيلم كوميدي من إخراج «بيدوتي» وحقق نجاحاً كبيرا حين عرض سنة 1930 في صالة «أمبير»، لكن بيدوتي توقف عن الاخراج بسبب نقص التمويل فهجر السينما ليتجه لتصوير حفلات الأعراس لتكون مصدر دخلٍ له.
 
تلتها تجارب فردية متفرقة، انتاج فيلم وأحيانا انتاج فيلمين بكل عقد من السنين، لكن بدأ ازدهار السينما في بيروت بشكل ملحوظ نهاية الخمسينات، وفي عام 1958 حين عرض فيلم «اللحن الأول» بطولة نجاح سلام، وديع الصافي وحسن المليجي وكان أول فيلم يخرجه محمد سلمان، وقصة الفيلم عن مطربة في بداية مشوارها الفني تلتقي بملحن شاب يتحمس كثيرا لصوتها الجميل ويساعدها على تخطي الكثير من التحديات وتنجح في تحقيق حلمها.
بعد هذه التجربة السينمائية بدأ المخرجون اللبنانيون في تقديم القصص العاطفية الرومانسية التي تكلل بلقاء الحبيبين أو تحمل النهايات غير السعيدة، كما في فيلم «لمن تشرق الشمس» (1958)، عن قصة وحوار شكيب خوريري، ومن إخراج المخرج السوري يوسف فهدة، بطولة نور الهدى، جيلدا الالمانية، رؤوف حمدي، إذ مازال هذا الفيلم في ذاكرة الرومانسيين من الأجداد والجدات الذين شاهدوا الفيلم في صباهم، كان موضوع الفيلم بين شغف الحب والوفاء والتضحية وايضا الفقر والشهامة، وكانت الاغاني الرومانسية قد وظفت توظيفاً جيداً يلائم المشاعر الإنسانية الشفافة وقد مثلت بطلة الفيلم نور الهدى لبنان بهذا العمل في مهرجان موسكو السينمائي 1958.
هناك عديد من الأفلام اللبنانية التي تناولت تجارب رومانسية خالصة مثل فيلم «معبد الحب» (1961) المطربة صباح يشاركها البطولة عماد حمدي، إذ يسافر عادل (يوسف فخر الدين) إلى بيروت لأجل العلاج وخلال رحلة علاجه يلتقي بمطربة تعمل في احدى الملاهي الليلية ياسمين (صباح) وتجمعهما قصة حب لكن عادل يكتشف أن ياسمين تعشق رجلا آخر وهو أخاه الأكبر أحمد (عماد حمدي).
وفي عقد السبعينات قدمت السينما اللبنانية عدة أفلام تعبر عن علاقات العشق والهوَى، في عام 1971 عرض فيلم «الضياع» وهو فيلم لبناني- مصري، مشترك.
إذ يعمل وجيه (غسان مطر) صحفيا يهتم بقضايا الشباب الضائع في الملاهي الليلية وهو ينتقد المليونير سامي إبراهيم (رشدي أباظة)، وقد حاول سامي ثني وجيه عن انتقاده بالترغيب والترهيب من دون جدوى.
في المقابل فإن وجيه تجمعه علاقة حب بالممرضة إلهام (ناهد شريف)، لكنه لا يريد الزواج حالياً لسبب لا تعلمه وهو أنه يرغب أن تُشفى أخته سلوى (سميرة أحمد) من الشلل الذي أصابها بسبب صدمةٍ نفسيةٍ، وبالصدفة يقوم سامي بإنقاذ سلوى، أخت وجيه، من حادث سيارة، ومن ثمّ بدأ الإعجاب بين سامي وسلوى، مما حسّن صحتها النفسية وساعد في علاجها، ولذلك نصحه الدكتور سعيد (عماد حمدي) بالاستمرار في العلاقة لتتحسن صحة سلوى، الفيلم من إخراج محمد سلمان ويشارك في كتابة الفيلم إلى جانب الكاتب والمسرحي فارس يواكيم.
استمر الطرح التقليدي والنمطي للقصص العاطفية في الثمانينات في عديد من الأفلام وكان فيلم «حبي الذي لا يموت» (1984) الابرز في عناوين الافلام الرومانسية حيث يقع ملحم (ملحم بركات) الشاب الثري في حب هند (هلا عون) الفتاة التي أنقذها من عملية سلب ولكنها مخطوبة، ويقتل خطيبها فاعتقدت هند بأن ملحم هو القاتل فتقرر الانتقام منه لكنها تكتشف فيما بعد براءته وتقع في غرامه رغم الاختلاف الطبقي بين الحبيبين.
وقدم مخرج الفيلم يوسف شرف الدين والمؤلف حبيب مجاعص نهاية حزينة للفيلم بموت هند والقصف مستمر على بيروت.
وشهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة ظهور افلام رومانسية مختلفة عكست الواقع الاقتصادي الذي عاشته بيروت وهموم واقع الشاب والشابة البيروتي واشكالياته المعقدة مع العلاقات العاطفية.
فجاء فيلم «حبة كراميل» وهو فيلم رومانسي يحمل الكثير من المشاهد الكوميدية عرض في 2017، تأليف مازن طه وإخراج إيلي إف حبيب، إذ تعيش مايا (ماغي بوغصن) حياة خيالية بعد تناولها قطعة حلوى لـ«حبّة الكراميل» فتكون لديها القدرة على سماع أفكار الجنس الآخر ويصبح  رجا (ظافر العابدين) الشاب الثري الذي عاد من إحدى الدول الأوربية هدفها الوحيد.
وقد حطّم الفيلم رقماً قياسياً في عرض أسبوعه الاول لـ 55 ألف مشاهد في صالات السينما، وهذا يعد رقما قياسيا في تاريخ السينما اللبنانية بشهادة جميع 
النقّاد.
كما اعتمد صنّاع السينما على تقديم الاغاني العاطفية في كثير من الأفلام، فقدم الفنان الراحل ملحم بركات أغنية «حبي اللي غاب» في فيلم (حبي الذي لا يموت) وايضا قدم اغنية «وحدي انا» في فيلم «آخر الصيف « (1980)، تأليف وإخراج مروان الرحباني.
السينما اللبنانية تحتاج لمقالٍ ثانٍ نتناول فيه السينما الغنائية مع مغنين لبنانيين خصوصا تلك الأفلام السينمائية التي كان أبطالها ومازالوا نجوما في الساحة الغنائية أمثال هيام يونس، صباح، فيروز، وديع الصافي، سميرة توفيق، سامي كلارك، حكمت وهبي،  
زياد برجي وآخرين، إلى جانب التجارب السينمائية في زمن
 الحرب الأهلية اللبنانية 
(1975-1990).