ذكريات مع عبد الخالق حسونة

منصة 2021/09/23
...

  محسن حسين 
في خضم التغييرات الكبيرة في العالم العربي قد لا يعرف هذا الجيل شخصية مصرية كانت لولب العمل العربي لعقدين من الزمن، هو المرحوم عبد الخالق حسونة الامين العام للجامعة العربية. في مثل هذه الايام وبالتحديد يوم 10 ايلول العام 1952 انتخب حسونة أميناً عاماً للجامعة ليكون ثاني امين عام لها بعد عبد الرحمن عزام باشا، وقد ظل في هذا المنصب 20 عاما انتخب 3 مرات وتوفى العام 1992 عن عمر 93 عاما. التقيت الأمين العام للجامعة خلال وجودي في القاهرة، ضمن الوفود الرسمية الى الاجتماعات العربية، لكني حين نقلت الى القاهرة مديرا لمكتب وكالة الانباء العراقية في حزيران عام 1972، كان حسونه قد ترك منصبه في ايار من العام نفسه ليحل محله محمود رياض.
التقيته في القاهرة حين كان أمينا عاما للجامعة عدة مرات ضمن عملي الصحفي، لكن اكثر لقاءاتي به كانت في عام 1962 حين جاء الى بغداد لحضور مؤتمر وزراء الخارجية العرب يوم 30 كانون الثاني عام 1961 وهو المؤتمر، الذي دعا الى عقده رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم لجمع الشمل العربي.
كانت ابرز موضوعات ذلك المؤتمر إعادة تونس الى الجامعة العربية، بعد قطيعة استمرت عدة سنوات وخاصة الجهود التي بذلها رئيس وزراء العراق الزعيم عبد الكريم قاسم في تلك الفترة مع الحكومة التونسية، ونجحت بوصول وزير خارجية تونس الى بغداد في يوم انعقاد المؤتمر.
وفي لقائي الأمين العام للجامعة أشاد بدعوة العراق لعقد المؤتمر في بغداد، لبحث عدة امور ومنها الجهود العراقية لعودة تونس. 
وكما هو معروف فان جامعة الدول العربية التي تم توقيع ميثاقها بالقاهرة في 22 اذار 1945 من قبل سبع دول عربية مستقلة آنذاك، هي مصر، وسوريا، والأردن، والعراق، ولبنان، والمملكة العربية السعودية واليمن، نشأت في غياب تونس وجميع دول المغرب العربي التي كانت وقتئذ ترزح تحت نير الاستعمار.
وعلمت من الامين العام عبد الخالق حسونة أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، الذي تولى وزارة خارجيتها سنة 1956 بعد الاستقلال ثم رئاسة جمهوريتها سنة 1957، لم يقرّر انضمام تونس إليها إلا سنة 1958 بعد ثورة 14 تموز في العراق، لأسباب متعددة منها الخلاف، الذي قام بين الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس المصري جمال عبد الناصر، بسبب موقف مصر المؤيد لخصم بورقيبه الأكبر صالح بن يوسف.
 وبعد ثورة العراق أرسل الزعيم عبد الكريم قاسم وزير الخارجية العراقي عبد الجبار الجومرد إلى تونس في 22 اب 1958، يحث الحكومة على الالتحاق بالجامعة واستجابت تونس لوساطة العراق أملا في حل الخلافات. ويبدو أن الرئيس الحبيب بورقيبة رأى في هذه الثورة امكانية لإضفاء شيء من التوازن على عمل الجامعة.
وهكذا طلبت تونس الانضمام إلى صفوف الجامعة، على أمل أن الجامعة ستتمكن من أداء رسالتها وستتحرر من العقد التي عرقلت سيرها، وستصبح فعلا جامعة قوية فعالة، لكن تونس بعد فترة قصيرة علقت عضويتها في الجامعة. 
وأعرب الامين العام بعد وصوله الى بغداد عن ثقته أن ثورة العراق تبشر بالأمل لتسود الحرية والازدهار والسيادة لجميع البلاد العربية.
 
سبق صحفي
 ومما اذكره عن ذلك اليوم الذي انعقد فيه مؤتمر وزراء الخارجية لم يكن أحد يعرف أن تونس ستحضر وتنهي المقاطعة، لكني عرفت من الزعيم نفسه صباح ذلك اليوم، عندما استدعاني لمقابلته في وزارة الدفاع، وقال لي انه يريد أن يعطيني ما تسمونه في الصحافة (سبق صحفي)، وهو ان تونس ستحضر المؤتمر وان الجهود العراقية نجحت في إقناع تونس، التي كانت تقاطع اجتماعات الجامعة العربية بحضور مؤتمر وزراء الخارجية في بغداد، وان وزير خارجية تونس في طريقه الآن إلى العراق وعليك ان تعلن ذلك الآن. وهذا هو ما فعلته بإعلان الخبر.
 
من هو عبد الخالق حسونه؟
عبد الخالق حسونة هو ثاني أمين عام لجامعة الدول العربية بعد عبد الرحمن عزام ولد بمدينة القاهرة في 28 تشرين الأول 1898، وتوفى في 20 كانون الثاني 1992، اي انه توفى وعمره 94 عاما. وهو ابن شيخ الأزهر حسونة النواوي.
وحسونة يحمل شهادة ماجستير الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة كامبردج بإنجلترا العام 1925، وكان عضوًا في أول بعثة للسلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية المصرية. كما تولى منصب محافظ الإسكندرية من العام 1942 حتى العام 1948.
تولى عدة وظائف في الحكومات المصرية في العهد الملكي، منها مناصب وزارية هي وزير الشؤون الاجتماعية من 1949 حتى 1950، ووزير للمعارف حتى 1952، ووزير للخارجية في 1952، وفي ايلول من ذلك العام انتخب أمينا عاما لجامعة الدول العربية، بعد شهرين من قيام الثورة المصرية واستمر في منصبه إلى ايار 1972.