أسئلة الواقع في مرايا الآتي

منصة 2021/09/23
...

أ.د. مها خيربك ناصر
 تتأنق أنفاس الأمل، وتتمايل رغبة في أن تكون هي هي، فتركع الأنامل في محراب الشوق إلى نمنمات ضوء واعد بغدٍ أكثر إشراقًا، لكنّ الواقع يغتال همساتها وحنينها، ويذبح أحلامها بحدّ القمع والترهيب.
هي... هي أمنيات الأقلام المزوبعة في ضمير الكون، وهي هي السلطة الفكريّة القمعيّة المتسللة إلى أعماق أعماق الوجد، حيث يحلو لها أن تقبض على أيّ وميض قابل أن يشتعل ويضيء. 
إنّها سلطة قديمة جديدة يرهبها حفيف أجنحة الكلام في فضاءات البوح الإنسانيّ، فتسعى إلى ممارسة التدليس والتضليل والكذب وإلى تجفيف الفيض الإبداعيّ، وإلى توظيف المثقف الوسيط القادر على شراء الضمائر والنفوس والعقول، فتزدهر سوق رعاية ممتهني الكتابة.
إنّها سوق النخاسة الأدبيّ الاستنسابيّ، حيث يسلّع نتاج الفكر، ويقمع الحرّ منه في مغاور النقد الهدّام، ليصنّف في خانات الفشل وغياب الجودة الأدبيّة، أملاً في تغييب أصوات المبدعين الرافضين الانتساب إلى سلك الوظيفة الأدبيّ والخارجين على صنمية الفكر، والذين لم يقبلوا أن يكونوا أرقامًا في خانات رجال أمن برتبة شرطي، ولم يوظفوا أقلامهم مباخر لذوي الشأن، فخُنقت أصوات حروفهم الرافضة، ولكنّ زئير صمتها سيبقى مدويًّا في فضاءات الآتي.
هو الإبداع لا ترهبه سيوف بعض معتنقي الدين الحداثيّ، ولا يجيد الصلاة في معابدهم المصنوعة من موادّ بلاستيكيّة مستورة لا تصمد طويلا أمام رياح الرفض والتغيير، وأمام عواصف التمرد على قيود واقع يجهل أنّ فناءه في جهله، وأنّ احتضار مستقبله في دأبه على تشويه سحر البوح والصدق.
هو الصدق الأدبيّ الراشح بشوق الأنا والنحن والهو والهي والهم والهنّ والأنت والأنتم، من دون تثنية تقول في البدء كان المثنى، بوصفه بدء كلّ خلق، فهل سيولد من رحم واقع يشهد ثنائية الرفض والقبول أسئلةً تجيد قراءة الحاضر في مرايا المستقبل؟ وهل ستزوبع أمنيات الأقلام في فضاء آتٍ لا وجود فيه لسلطات قمعيّة؟.
هو الآتي رهن شوق فكرٍ حرٍّ يخلق من حفيف أجنحة الكلام عالمًا إنسانيًّا يفيض حبًّا وخيرًا وتعاونًا وقبولاً ورضا. فهل سيكون للمثقف العربيّ حضور في آتٍ يصنع له هوية تُعرّف به؟.