عمار عبد الخالق
تمثلُ الاصدارات والمطبوعات الفكرية والفنية وجهاً لهوية البلد الثقافية، إذ تكون بمثابة لسان الحال لرواد الفكر والأدب، وهذا ما تشهده مجلات بوزن الرسالة المصرية والآداب اللبنانية والعربي الكويتية، وكذلك الأمر بالنسبة لمجلات عراقية مثل الأقلام والكلمة والطليعة الادبية وآفاق عربية والاديب المعاصر والمأمون، وهي تحتضن الطاقات الإبداعية ليس في العراق فحسب، بل فتحت ابوابها لمساهمات عدد كبير من الكتاب العرب.من الصعب بمكان الركون إلى هذا الإرث فقط، والاكتفاء بمنجزه وتاريخه، فالسؤال هنا يكمن في هل توجد مجلة أو منبر أو منصة الكترونية يمكن التوسم منها التعبير عن حيوية الثقافة العراقية، أم أنَّ الحراك الثقافي، تجاوز الفضاء الجمعوي، وأصبح شأناً فردياً لا يصح البحث عن ملامحه داخل المؤسسات الغارقة في البيروقراطية. سؤال المطبوع الثقافي العراقي وضعناه امام بعض النخب الفنية والأدبية والثقافية: فهل تتناسب المجلات الثقافية في العراق مع تاريخ العراق الثقافي والأدبي؟
يرى الناقد والاكاديمي يوسف اسكندر: ظهرت في العراق مجلات متنوعة منذ مطلع تأسيسه حتى اليوم، وبعضها له ريادة على المستويين العربي والعالمي كمجلة سومر الآثاريّة المعروفة التي أظهرت الآثار العراقية عبر تأريخ صدورها المجيد، ومجلة لغة العرب، وغيرهما من المجلات المتخصصة في شتى الشؤون العلميّة والثقافيّة.
وأضاف: ولكن الدولة العراقية منذ أكثر من نصف قرنٍ قامت بتأميم الرأسمال الرمزي تماماً، فجعلته في قبضتها، وتحوّلت معه بعض المجلات الأهلية إلى مجلات حكوميّة كمجلة التراث الشعبي، وسادت الحياة الثقافية العراقية المجلات الحكومية، ومن أبرزها الأقلام والمورد والثقافة الأجنبية، على أن المجلات غير الحكومية كانت متذبذبة على نحوٍ ثابت وحسبنا أن نتذكر مجلة الكلمة على سبيل المثال.
مبيناً: اليوم في العراق ما بعد الديكتاتورية، وفي عالم الفضاء ما بعد الحداثي للتواصل الثقافي والاجتماعي، يبدو أن ظروف المجلات الثقافية غير ظروفها السابقة، وفي هذا حديث طويل، مع أنني أرى بنهوض بعض المجلات بارقة أمل في حياة ثقافية منتجة.
الانتاج الثقافي والتسويق
الفنان والناقد جبار المشهداني أشار الى انه يمكننا القول: إن إجمالي الانتاج الثقافي العراقي بكل ألوانه وتخصصاته لا يتناسب مع المحاولات البسيطة لتسويقه او نشره داخليا وخارجيا.
باختصار العراق يفتقر الى اختصاص دقيق هو إدارة الإنتاج والتسويق الثقافي، وأضاف المشهداني موضحاً: الكل يريد أن يحصل على لقب ثقافي تخصصي شاعرا كان او قاصا او ناقدا لكننا لم نفتش عن من يستطيع تسويق هذا الكم الهائل من نتاج أصحاب الألقاب الثقافية.
القاصة والروائية عالية طالب لفتت في اجابتها الى أن: المجلات الثقافية العراقية (محكمة) واكاديميا نعرف اهمية هذه الكلمة ـ ورصانتها تأتي من الاسماء المهمة التي تسهم فيها ومن النص المنشور الذي هو غالبا ما يكون اضافة بحثية أو سردية او شعرية او نقدية، ولنا في مجلة آفاق ثقافية والاقلام والاديب المعاصر ومجلة الكلمة التي اصدرها الاديب الراحل حميد المطبعي خير مثال على اهمية هذا الرصيد الثقافي، إذ كانت مجلة آفاق عربية تعد مصدرا في المكتبات لما تحويه من ثقل معرفي وادبي وثقافي.
وأضافت: اليوم المجلات (تجتر) واقعها وتحاول الارتكاز عليه، فتخفق هنا وهناك ولم يعد من ذلك الرصيد القديم غير الاسم غالبا وبعض الرصيد المتجدد احيانا وهذا امر يؤسف له، اذ ان علينا أن نجيد التحديث المعرفي وليس الاجترار الذي يجعل القارئ عازفاً عن المتابعة والاشادة.
المجلة الثقافية والتقاليد
الشاعر والناقد الدكتور علي جعفر العلاق اكد بإجابته لابد للمجلة الثقافية أو الأدبية من هوية خاصة، فلا نجاح من دون أفق تواصل السير في اتجاهه، أو رؤية تحضر في كل عدد من أعدادها، كما أن مشروعاً كهذا، لا يكتمل من دون مجموعة قليلة، لكنها هائلة، من المحررين، تتلذذ بمشاق العمل، وترى في كل عدد جديد عيداً من الجمال والوعي والنصوص الجديدة، عيد يشرق مع كل شهر ويجد الجميع في انتظاره.
وأضاف العلاق قائلاً: لا بد للمجلة من موعد ثابت، يكتسب مكانة خاصة في ذاكرة المحرر والمختص والقارئ العام، ولا تنجح مجلة من دون تخطيط لمفردات النجاح، ومن دون فضاء عربي وإنساني، ومن دون تمرد محسوب على الشلليات القريبة، والمواد التي في متناول اليد دائماً، مشيراً: لا بد لها من حنين يمضي بها صوب مشروعها الذي يتجدد الإصرار عليه مع كل عدد تصدره أو تخطط لإصداره.
ويرى الشاعر والكاتب منذر عبد الحر أنه: لا يوجد مطبوع يحمل تسمية (مجلة ثقافية)، قد تكون هناك مجلة أدبية او فكرية او فنية او سياسية، ومع هذا لم تصل الكثير من المجلات إلى مستوى طموح المبدع العراقي وقيمة منجزه، والسبب الأول غياب التقاليد المتعارف عليها في التعامل مع المبدع.
وأضاف: وكذلك سوء توزيع المطبوع الأمر الذي يجعل القائمين عليه لا يتعاملون معه بجدية، ولذلك تظهر المطبوعات اليوم من اغلب المؤسسات الثقافية كاسقاط فرض لا أكثر.