صدور أول عدد خاصّ من مجلّة (المورد) التّراثيّة منذ عقدين
منصة
2021/09/27
+A
-A
حسين محمد عجيل
صدر في بغداد عدد جديد من مجلة (المورد)، يعد أول عدد خاصّ تصدره هذه المجلة التراثية الفصلية المحكمة منذ سنة 2001، وذلك احتفاء منها بذكرى مرور 11 قرنا على انطلاق الرحالة البغدادي أحمد بن فضلان في بعثة دبلوماسيّة ورحلة معرفية فريدة، من بغداد إلى مملكة الصقالبة في شماليّ أوروبا الشرقيّة.
وجاء هذا العدد الفصليّ من المجلّة الصّادرة عن دار الشّؤون الثّقافيّة العامّة، وهو الثّاني من المجلّد الثّامن والأربعين، حافلاً بالأبحاث والدّراسات التي تناولت الرّحالّة، والأبعاد الأدبيّة والتّاريخيّة والحضاريّة لرحلته، فضلاً عن المراجعات النّقديّة والجهد الببليوغرافيّ، شارك في إعدادها نخبة من الباحثين والكتّاب والمترجمين العراقيّين، مع إسهامة مميّزة لباحثين عرب. ووقع العدد بـ 280 صفحة.
فضلاً أحمد بن فضلان
وكتب حسين محمّد عجيل مدير تحرير (المورد)، في افتتاحيّة العدد المعنونة «فضلا أحمد بن فضلان»، قائلاً: «قبل مئة عام، حين مرّت الذّكرى الألفيّةُ لانطلاقة بعثة الرّحّالة البغداديّ أحمد بن فضلان، من ضفاف دجلة بمدينة السّلام إلى أقصى نهايات العالم المعمور آنذاك، عند شاطئ نهر إتِل (الفولغا) شمال شرقيّ أوروبا، كان العراق في طور تشكّل دولته الحديثة، وفي ذلك العام (1921) لم يكن أحد يفكّر في أنْ يحتفي بحلول مثل هذه الذّكرى الحضاريّة، بعد بضعة قرون من فقدان الاستقلال. واليوم تحتفي الدّولة العراقيّة بالمئويّة الأولى لتأسيسها وهي تواجه تحدّيات مخاض التّأسيس نفسها، بالتّزامن مع احتفاء (المورد) بذكرى يوبيلها الذّهبيّ، ومرور نصف قرن على بروزها مجلّةً رائدةً، تسعى جاهدةً لانبعاثة تراثنا العربيّ في صميم حياتنا المعاصرة، واستلهام ما انطوى عليه من مظاهر التّنوير والأصالة، ولهذا خصّصت هيئةُ تحريرها عددَها الفصليَّ الثّاني هذا، لإحياء تلك المأثرة العراقيّة الحضاريّة، التي وثّق ابنُ فضلان تفاصيلَها في كتابٍ أدبيٍّ، امتاز بحيويّة سرده وغنى التقاطاته ومشاهداته العيانيّة».
وختم مدير التّحرير الافتتاحيّة بقوله: «وإذ تستأنف (المورد) بهذا العدد الخاصّ، تلك السُّنّة الحسنة التي استنّها مؤسّسوها الأوائل في تخليد المناسبات التّاريخيّة لكبرى الشّخصيّات في تراثنا، والمدن العريقة في بلادنا، تعِد قرّاءها أنْ تواصل هذا النّهجَ كلّما أطلّت مناسبة تاريخيّة لأعاظم المفكّرين والعلماء والأدباء والمؤرّخين والمشتغلين في الفلسفة والآداب والفُنُون، وأن تجتهد في اجتراح الأفكار الخلّاقة لإظهار غنى الجانب التّنويريّ في تراثنا، وقدرته على إمداد النّسغ الثّقافيّ العامّ بإكسير إنسانيّ مُلهِم. وفي ضمن هذا المسعى، سيضمّ العددُ الفصليُّ الثّالثُ ملفّاً عن الطُّغرائيّ، الشّاعر النّاثر الكيميائيّ الوزير، صاحب لاميّة العجم، بمناسبة ذكرى مرور تسعة قرون على رحيله، كما ستحتفي المجلّةُ في عددها الفصليّ الرّابع هذا العام بذكرى يوبيلها الذّهبيّ، وسيكون عددها الفصليّ الأوّل لسنة 2022 عن الحلّاج بعد 11 قرناً».
أربع دراسات أدبيّة
وفي محور الدّراسات الأدبيّة الذي ضمّ أربعة أبحاث، ثلاثة منها بأقلام باحثين من المغرب والجزائر، تناولت الباحثة الجزائريّة د.الخامسة علاوي في بحثها «رحلة ابن فضلان: فضاء مغامرة وعي وجسور مثاقفة مبكّرة»، مدوّنةَ ابن فضلان «بوصفها الرّحلة الإشكاليّة التي استقطبت اهتمام النّقّاد والباحثين في مختلف الميادين، ولما تميّزت به من نسجها لوشائج متعالقة مع أشكال ديناميّة لمّعت التّجربة الرّحليّة... وما أنشأه ملفوظها من معمار أعاد تشكيل نفسه ضمن التّشكيل العامّ للرّحلة، صادحاً بوعي مبكّر للمغامرة، ومادّاً جسور تواصل موغلة في القدم، باحثةً عن ميثيّة الآخر المختلف، الذي باتت معرفته جزءاً لا يتجزّأ عن معرفة الذّات».
وعدّ الباحث د. سعيد عبد الهادي المرهج، في مادّته المعنونة «ارتحالات (رحلة ابن فضلان) وتحوّلاتها»، أنّه «لم تعرف رحلة عربيّة- إسلاميّة من الاهتمام ما عرفته رحلة ابن فضلان، والأمر يعود لكونها الرّحلة الأولى التي تواجهت فيه الرّوح الشّرقيّة بجميع حمولاتها بالرّوح الغربيّة بجميع حمولاتها أيضاً»، متوقّفاً عند التّحويرات التي أجراها الرّوائيّ الأمريكيّ مايكل كرايتون على نصّ ابن فضلان الرّحليّ حين استلهمها في روايته الخياليّة «أكلة الأموات» التي أُنتجت فيلماً سينمائيّاً شهيراً، ثمّ مسلسلاً عربيّاً. وفي البحث الموسوم بـ «بلاغــة المكوّنات السّرديّة في رحلة ابن فضلان»، حاول الباحث المغربيّ د. كريــم الطّيبـيّ الوقوف عند بلاغة الخطاب الرّحليّ في رحلة ابن فضلان، من خلال قراءة المكوّنات السّرديّة المشكّلة للرّحلة من منظور بلاغيّ يرصد الأبعاد التّواصليّة والحِجاجيّة التي تضطلع بها، وصولاً إلى «استنطاق الأبعاد التّداوليّة والحِجاجيّة الثّاويّة في المكوّنات السّرديّة كالحكي والحوار والأخبار والوصف والأسلوب».
وكتب الباحث المغربيّ د. محمّد البقّاليّ بحثاً بعنوان «المكوّن الوصفيّ واشتغاله في خطاب أدب الرّحلات، رحلة ابن فضلان نموذجاً»، ذكر فيه أنّ المحفّز لاختياره متن ابن فضلان «ما تمتّع به صاحبُه من كفاية كبيرة على الوصف، ومن الحضور المكثّف لهذا النمط الخطابيّ. وهي الملاحظة التي نبّه عليها محقّق الرّحلة».
خمس دراسات
حضاريّة وتاريخيّة
وتضمّن محور الدّراسات الحضاريّة والتّاريخيّة خمسة أبحاث، كان أوّلها بعنوان «التّجارة والحضارة في مشاهدات ابن فضلان» للباحث الفقيد د. عماد عبد السّلام رؤوف، فكان البحث الأخير الذي كتبه قبل رحيله يوم 27 حزيران الماضي، وقد نعته هيئة تحرير المجلّة في الصّفحة 6 من هذا العدد، بوصفه عضواً بارزاً في هيئتها الاستشاريّة وعالماً عراقيّاً كبيراً أغنى حقول التّراث بكتبه ودراساته وأبحاثه طوال أكثر من خمسة عقود.
وترجمت معاونة رئيس قسم التّرجمة بدار المأمون هدى علي التّميميّ، بحثاً عن اللّغة الرّوسيّة بعنوان «التّباين الثّقافيّ في رحلة ابن فضلان» للأستاذ بجامعة قازان الحكوميّة في روسيا صفوان ناصيف النّدّاف، وتولّى مراجعة النّصّ العربيّ وتوثيقه د. حسن عبد راضي. حلّل فيه الباحث رحلة أحمد بن فضلان سنة 921 للميلاد إلى بلاد السّلاف/ البلغار (دولة تتارستان حاليّاً، في روسيا)، وتتبّع تطوّر أبعادها الثّقافيّة في تمثيل صورة حضارة أخرى، وخلص إلى أنّ رحلة ابن فضلان كانت «وثيقةً تاريخيّةً مهمّةً أطلعتنا على شكل حياة الشّعوب التي مرّ بها خطّ سير الرّحلة».
وضمّ هذا المحور مبحثاً للدّكتور مصطفى جواد بعنوان «ابن فضلان الرّسول السّفير والسّائح المرشد»، وكتب مدير تحرير المجلّة في مقدّمةٍ له عن مسوّغات إعادة نشره قائلاً: «ارتأت هيئةُ تحرير (المورد) أن تعيد نشرَ مبحثٍ ذي أهميّة تاريخيّة عن ابن فضلان، كان كتبه قبل نحو ستّة عقودٍ العلّامةُ الجليلُ الدّكتور مصطفى جواد (1906 - 1969م)، بوصفه من أوائل الباحثين العراقيّين الذين تناولوا حياة ابن فضلان وبعثته إلى بلاد الصّقالبة سنة 309هـ، وبوصفه، أيضاً، من الرّعيل الثّاني من الباحثين العرب، الذين أسهموا خلال النّصف الثّاني من القرن العشرين، في تعريف جمهرة القرّاء بأهميّة هذا الرّحّالة البغداديّ وفرادة رحلته»، مردفاً «وعلى الرّغم من مرور هذا الزّمن الطّويل على نشر المبحث، إلّا أنّه غير معروف- على ما يبدو- لدى كثير من الدّارسين، مع ما انطوى عليه من أهميّة في أوان صدوره».
تلا ذلك بحث بعنوان «أصل الرّوس عند ابن فضلان، التّاريخ الإمبرياليّ في الهستوغرافيا الرّوسيّة»، للكاتب والباحث علي بدر، تمحور على ما أثاره نصّ ابن فضلان الرّحليّ من جدل واسع في ثلاث ثقافات أوربيّة، هي الرّوسيّة والألمانيّة والسّويديّة، عن بدايات التّاريخ الرّوسيّ، وهو من أكثر القضايا إشكاليّةً عند المؤرّخين. عادّاً أن ظهور نصّ ابن فضلان مُترجماً إلى هذه اللّغات،
«قد جعل من خلاف المدارس النّورمانديّة والمناهضة للنّورمانديّة، الذي كان راسخاً بقوّة طوال
القرن الثّامن عشر وبدايات القرن التّاسع عشر، خلافاً أثريّاً إلى حدّ بعيد». وجاء البحث الأخير في هذا المحور بعنوان: «ابن فضلان ورحلته الرّياديّة إلى بلاد البلغار والصّقالبة على نهر اتل (الفولجا) سنة 309هـ / 921م»، وهو للباحث د. محمّد كريم إبراهيم الشّمريّ. واحتوى على ثلاثة مباحث: عرض الباحث في أوّلها ما توافر من معلومات عن شخصيّة ابن فضلان وما قيل فيه، وتناول في ثانيها موضوع الاهتمام بنشر رحلة ابن فضلان، وتوثيقها في المصادر الجغرافيّة، وإبراز جهود المستشرقين والعرب في دراستها، وركّز في ثالثها على الرّحلة: أسبابها ومسارها وتأثيرها ونتائجها.
محور النّقد والمراجعات
وفي محور النّقد والمراجعات، ثمّة ثلاثة بحوث، كان أوّلها بعنوان «الروس عند ابن فضلان: هل هم سلافيّون أم اسكندنافيّون؟ مقاربة نقديّة»، وهو للباحثة الفرنسيّة باتريس لاجوا الأستاذة بجامعة كاين في نورماندي، ونقله إلى العربيّة المترجم كامل العامري، ليكون البحث الثّاني في هذا العدد الذي يتناول الكيفيّة التي استخدم فيها العلماء نصوص ابن فضلان في حسم الجدل بشأن أصل الرّوس، وامتاز هذا البحث بتوظيف بعض كشوفات علم الآثار ومقارنته بما دوّنه ابن فضلان من مشاهدات وأوصاف عن الرّوس.
واستعاد الباحث شاكر لعيبي في مطلع بحثه «رحلة ابن فضلان الأيديولوجيا والتّخليط»، الكيفيّة التي اكتشفتْ بها مخطوطة مشهد والجهود الرّوسيّة والأوربيّة فالعربيّة في طباعة الرحلة،
ثمّ استعرض ما وقع فيه عشرات من الكتّاب العرب وبعض المشتغلين في الدّراما التّلفزيونيّة، من خلط بين نصّ ابن فضلان التّاريخيّ
ونصّ الرّواية الخياليّة «أكلة الأموات» التي أشاعت حالة من الاضطراب حتّى لدى بعض الباحثين، وصفها الكاتب بأنّها «ليست صحيّة وذات أصولٍ أيديولوجيّة». ثمّ قدّم لعيبي- الذي سبق له أن حقّق رحلة ابن فضلان سنة 2003- الأسانيد والوثائق الدّامغة على وَهْم ما يُعرف بالتّرجمة النّرويجيّة للرّحلة، وأثبت بطلان كلّ ما قيل عن الشّخصيّة الأكاديميّة النّرويجيّة المختلقة
التي نُسبت إليها تلك التّرجمة المزعومة.
وجاء البحث الأخير في هذا المحور، وهو البحث الأوسع في العدد، بعنوان «الكشف عن أربعة مصنّفات عربيّة قديمة اقتبست نصوصاً لابن فضلان»، للباحث حسين محمّد عجيل، الذي كشف فيه النّقاب عن أربعة مؤلّفين قدامى، ذكروا ابن فضلان، واقتبسوا من رحلته في مصنّفاتهم الكوزموغرافيّة، وهم: ابن شبيب الحرّانيّ، في كتابه «جامع الفُنُون وسلوة المحزون»، وابن الورديّ الحفيد، في كتابه «خريدة العجائب وفريدة الغرائب»، والكاتب المجهول الذي جمع كتاب «مرآة الكائنات شرح عجائب المخلوقات» المخطوط، وابن إياس الحنفيّ، في كتابه المخطوط «نشق الأزهار في عجائب الأقطار»، ليزداد بذلك عدد الكتب التّراثيّة التي تناولت ابن فضلان واستقت من رحلته ونصّت على اسمه إلى سبعة كتب، مناقشاً في الأثناء الآراء التي أوردها بعضُ المحقّقين والباحثين بشأن المؤلِّفين الحقيقيّين لثلاثة من الكتب الأربعة التي اكتشف الكاتب اقتباس مصنّفيها من نصّ ابن فضلان، ومعالجاً جهودَ بعض الباحثين العرب والمستعربين والمستشرقين الذين تناولوا المصادر الثّلاثة المعثور عليها من قبلُ بالدّرس والنّقاش، وهي: «معجم البلدان» لياقوت الحمويّ، وكتابا القزوينيّ: «آثار البلاد وأخبار العباد» و«عجائب المخلوقات»، مبدياً ملاحظاته التّصويبيّة واستدراكاته عليهم.
ابن فضلان
في ببليوغرافيا شاملة
تلت ذلك مادّة بعنوان «ابن فضلان في دوائر المعارف والموسوعات العربيّة والأجنبيّة»، وهي من إعداد مجلّة (المورد)، وتضمّنت ما كتُب عن الرّحّالة ورحلته في ستّة مراجع موسوعيّة، هي: «الأعلام»، و»إنسكلوبيديا الإسلام»، و»دائرة المعارف الإسلاميّة الكبرى»، و«معجم المؤلّفين»، و«الموسوعة العربيّة الميسّرة». وقد انفرد هذا المبحث من المجلّة بنشر ترجمة (مادّة ابن فضلان) عن النّسخة الإنكليزيّة من «إنسكلوبيديا الإسلام»، بقلم رئيس تحرير (المورد) د.يوسف إسكندر، وهي مادّة لم تسبق ترجمتها للغّة العربيّة من قبل. وكانت المادّة الأخيرة في العدد بعنوان «أحمد بن فضلان في المصادر والمراجع العربيّة والأجنبيّة- ببليوغرافيا شاملة»، وهي أوّلَ مادّة ببليوغرافيّة عن أحمد بن فضلان في المصادر والمراجع العربيّة والأجنبيّة، وضمّت إجمالاً: 384 مصدراً ومرجعاً، بينها 300 مصدر ومرجع باللّغة العربيّة؛ بواقع 107 كتاب ومخطوطة، و10 رسائل جامعيّة، و183 دراسةً وبحثاً ومقالةً منشورةً في دوريّات عربيّة، فضلاً عن 84 مصدراً ومرجعاً باللّغات الأجنبيّة. وجاء إعداد القسم العربيّ من الببليوغرافيا بجهود مدير تحرير (المورد)، وبمعونة من عضو هيئة تحريرها حيدر الجبوري الذي قدّم بعض عناوين المجلّات، وكذلك الباحث المفهرس حسن عريبي الذي قدّم بعض عناوين الكتب. أمّا القسم الأجنبيّ فجاء بجهود رئيس تحرير (المورد)، مستفيداً من قائمة من المصادر الأجنبيّة مدّ بها المجلّةَ عضوُ هيئتها الاستشاريّة الدّكتور شاكر لعيبي. واختُتِم العدد بتقديم خلاصات لبحوث المجلّة باللّغة الإنكليزيّة.