هل ستبني الدولة بيوتاً للمهمشين؟

ريبورتاج 2021/10/04
...

   علي غني
اعترف أن الندوة التي حضرتها في جمعية المهندسين عن (بيوت المهمشين)، والتي ادارها المعماري الاكاديمي موفق جواد الطائي قادتني الى احصائيات صادمة، فكأنما العراق من دون تخطيط، على الرغم من تقدمه بمجال الهندسة الى جانب الثروة المادية التي يمتلكها.
 
واعترف أن أغلب المهمشين وهم الاكثر فقرا، ليسوا الذين يسكنون العشوائيات في بغداد والمحافظات فقط، وانما شبابنا الذين يحلمون في السكن والاستقلالية، وبعضهم يعيش تحت (استعمار المؤجرين) وسطوة الفاقة، وما بين احلام المهمشين وقرارات الامم المتحدة مشاريع من السكن خفاياها كثيرة، كشفتها لنا الندوة التي حضرتها نخبة من المهندسين المبدعين، فما قصة (بيوت المهمشين)، وما تصميمها، وما فرقها عن البيوت واطئة الكلفة، وما نسبة المهمشين بالعراق؟، وهل الاراضي الموجودة عندنا تكفي لاستيعاب العراقيين جميعا؟!.
 
نسبة لا تصدق
يقودنا المعمار الاكاديمي المخضرم موفق جواد الطائي برحلة طويلة عن (بيوت المهمشين)، وربما هذه التسمية غريبة عن البعض، لكن (الطائي) الذي عاصر حكومات عديدة ودرس العمارة في جامعة شمال لندن، وتخصص بالعمارة الداخلية ثم عاد الى العراق للتدريس بجامعة النهرين حتى الان، والحاصل على المرتبة الثانية في الجائزة التقديرية لمجلس وزراء الاسكان العرب عام 2006، بين لنا من هم المهمشون؟، {هنا قد يختلف الكثير حول هذا المفهوم ونجد أن الواقع الاقتصادي قد جعل ربع الشعب العراقي دون مستوى خط الفقر ومن هؤلاء توجد فئة في أسوأ حال وهم دون حد الكفاف ويشكلون تقريبا11 % من الشعب والذين بالكاد يجدون الطعام، وهم (شبه مشردين) من فقراء الفلاحين والمدن عديمي الدخل تقريبا، ما عدا بعض المساعدات القليلة، ورغم عدم وجود تعداد سكاني دقيق، لكن منظمات الأمم المتحدة تقدر توزيع نسبهم من النسبة الاجمالية 11 %  وحتى نفهم (المهمشين) اكثر، فان اغلب الدول تبني لهم بيوتا بسيطة جدا، لا تكاد تتعدى الغرفة الواحدة وملحقا صغيرا لقضاء حاجاته الانسانية}.
 
وفرة أراضٍ 
اقول لك حقيقة ربما غائبة عن الكثير من الناس (والكلام  للمعماري موفق الطائي صاحب الدراسة الذي باغته عن امكانية تنفيذ (بيوت للمهمشين في العراق): ممكن جدا بل هناك مساحات كبيرة من الأراضي في كل مكان من المناطق الحضرية والريفية في بغداد غير مستخدمة، يتم حظر توظيفها للسكن في كثير من الأحيان ليس لسبب معروف، فالتصميم الاساسي الجديد قد جعل الكثافة السكانية عالية في أي مكان في بغداد وبمعدل 400 الى 600 شخص للهكتار في الوقت الحالي.
وتابع الطائي وهو يتكلم بلغة الارقام: كما حددت الدراسة الطاقة الاستيعابية لبغداد بـ 14 مليونا في الوقت الذي يقـــــــــدر الساكنون في بغداد بســــــــــــــتة ملايين ونصـــــــف المليون، اضافة الى ذلك فان 70 % من الارض الموسومة بالسكنية وموزعة على مالكين هي فارغة، قلت باندهاش له كل هذا موجود عندنا، فالتفت الي، وهو يعلق على كلامي: بل وموجودة لغرض المضاربات الاحتكارية التي يجب أن توظف الأرض للسكن وليس لزيادة الأسعار وتعزيز الاحتكار وتحويل السكن من ملجأ يسكن اليه الانسان الى مضاربات، وقلت له، ما السبب في عدم تشخيص الارض؟، فاجابني بحسرة: غياب التصميم الإقليمي لمدينة بغداد وعدم اعتماد دراسة حديثة أو تجديدها، وقد طالبت المحافظة ومجلسها بالقيام باعداد التصميم الإقليمي ولم ينفذ في الوقت الذي توجد تصاميم إقليمية في كل المحافظات!، والله غريبة قلتها مع نفسي.
وعقب المهندس عبد اللطيف الجابري امين سر جمعية المهندسين العراقيين على ما تناوله المعمار الاكاديمي موفق الطائي حول موضوع بيوت المهمشين: انا من وجهة نظري ان الدولة لم تجد الحلول له رغم مرور فترة زمنية ليس بالقليلة، وكان بالامكان الحد من هذه الظاهرة السلبية وتوفير مساكن واطئة الكلفة، والحد من ظاهرة العشوائيات، واستغلال الأماكن العامة والتي كانت مخصصة للخدمات او المساحات الخضراء، ويجب تكاتف الجميع من اجل ايجاد حلول لهذه الظاهرة، والحديث يطول ونتمنى من اصحاب القرار والاختصاص العمل بجدية والتخلص من هذه الظاهرة التي شوهت بغداد الجميلة التي كان يتغنى بها الشعراء.
 
آراء مختلفة
وذهبت المهندسة حذام الكاظمي الخبيرة في وزارة النفط، بعيدا حين رأت أن اسكان المهمشين واجب محتم على الدولة اسوة بكل الفقراء في اغلب دول العالم، وتجربة الاسكان لسنة 1958 تلك التجربة التي ما زالت ثمارها تقطف حتى الان (تجربة عبد الكريم قاسم)، لذا على الدولة النظر والتدقيق في السكن بنحو عام سواء للموظفين ام غيرهم، وعلى الوزارات أن تنظم عملها بالاتفاق مع الدولة في قضية الاسكان، وليس الاستثمار الخاص بل تكليف الوزارات  بالدعم المادي وتهيئة الاراضي، حسب ما تراه مناسبا.
في حين رأت الاستاذة الدكتورة ندى مهدي فوزي الجيلاوي من جامعة بغداد القسم المدني، ان بيوت المهمشين من ناحية اجتماعية غير مرغوب بها وتعكس جانبا سلبيا على المدينة، لاسيما انها تتركز  في مركز العاصمة، وتشغل عقارات الدولة، وعلى الحكومة التخلص منها بتنفيذ بيوت واطئة الكلفة بانواع مختلفة من المواد المستدامة، لمنح هؤلاء المواطنين بيوت سكن واشراكهم بالبناء، كل حسب امكانيته سواء من الرجال او النساء ليحصل المواطن العراقي على سكن مريح ووارد مالي يسدد اقساط السكن، وكذلك ليعرف المواطن تحمل المسؤولية (لا تعطيني سمكة بل علمني كيف اصطاد).
 
ضمن الشروط
لو طبقت هذه التجربة ضمن الشروط الموضوعية والاصولية لنجحت، هذا ما قاله رئيس جمعية المهندسين العراقيين المهندس الاستشاري رياض كتاب حسين الجليلي، واضاف: الكلام فيها كثير، لكننا بحاجة لحلول ناجعة ومدروسة، والحقيقة نحن نحتاج الى بناة من ذوي الخبرة العلمية من دون الرجوع الى المحسوبية والشخصية.
بينما بين لنا الاستاذ عامر الجواهري عضو الهيئة الادارية لجمعية المهندسين العراقيين، بان بيوت المهمشين جزء من قضية تحدٍ كبير وهي العشوائيات التي يشكل شاغلوها اكثر من نفوس العراق، اذ يشكل الفقراء نسبة 25 بالمئة من نفوس العراق، اما الاكثر فقرا فهم يشكلون بحدود(11 %)، فتصبح مسألة التصدي لمعالجة هذه المشكلة من مسؤولية الدولة والمجتمع للحفاظ على حقوقهم مع القوانين والقواعد المجتمعية على الا يتم التجاوز على المال العام، وكذلك الحفاظ على تفادي الاختناقات بالخدمات والبيئة ما يتطلب التوجه لمعالجتها ضمن خطوات تنفيذ الورقة البيضاء وبرنامج الحكومة المقبلة.
وايده زميله المهندس حمدي خضير، مؤكدا ضرورة وجود تصاميم حديثة للمدن العراقية وفق المواصفات العالمية وبما يتلاءم مع نسب السكان، كما يجب معالجة سكن العشوائيات بعلمية لكي لا يؤدي الى الارباك في المدن.
 
تجربة عراقيَّة
واعود للمعماري موفق الطائي صاحب الدراسة (نصير الفقراء)، كما اعتقد انا، ليقول لي: ان هناك تجربة عراقية ناجحة، وهي استملاك الأرض والافادة من الإصلاح الزراعي وبناء مجمعات سكنية بفرق قيمة الأرض المستهلكة بالجهد الذاتي وتعليم حرفة البناء وتأمين فرص عمل واحاطة البناء الجيد بمجمعات لذوي الدخل المتوسط والعالي لكي لا تصبح المنطقة فقط لذوي الدخل القليل، ويمكن العمل بها.
 
برنامج الأمم المتحدة
وتابع الطائي: ان برامج الامم المتحدة ادخلت اصلاحات على ستراتيجيتها العامة ازاء الاسكان والتنمية الحضرية (المادة11) من الأهداف الانمائية للالفية الثالثة، والمتضمنة تحسين الظروف المعاشية لمئة مليون نسمة من مختلف أنحاء العالم، والساكنين في الأحياء العشوائية، وتأمين بدائل مناسبة، وبالتأكيد هذا الامر يشمل فقراء العراق (المهمشين).
 
وثيقة تعاون
وعلى ضوء ذلك تم اعداد وثيقة تعاون بين (منظمة الهبيتات) للأمم المتحدة ووزارة البلديات والأشغال العامة ووزارة الاعمار والإسكان لصياغة (والكلام للطائي) وثيقة تتناول ستراتيجيات لتحسين واقع الأحوال المعيشية وسكن ما يزيد عن مليون شخص يعانون من الفقر في مراكز المدن، والذي قدر في حينها بحوالي ربع فقراء العراق في المناطق الحضرية، وصدرت في هذا المجال وثيقة عمان في نهاية نيسان 2005 وتضمنت التوصيات الارتقاء بالأحياء (المتهرئة) وتأكيد دور اللجنة الوطنية للمستوطنات البشرية، واسنادها لأجل اقتراح السياسات المرتبطة بالارتقاء بالأحياء المتهالكة وتشخيصها وتطويرها، وما الحلول للارتقاء بواقع (المهمشين)، فأجابني الطائي: من خلال تعزيزها بالموارد المادية والبشرية والفنية (دور اللجنة الوطنية) بما يمكنها من تنفيذ الدور المطلوب منها، ودعوة مؤسسات الدولة المعنية لتشخيص المناطق المتهرئة، وتضمينها في التصميم الاساسي للمدن، وتأهيلها بالمشاركة مع منظمات المجتمع المدني وبالتعاون مع منظمة الموئل التابعة للأمم المتحدة لتقديم المستلزمات لاجراء المسوحات للأحياء المتهالكة، وبناء القدرات والتدريب والتطوير وفق الواقع السكني الحالي.
 
شباب مهمشون
وبعد كل هذه الرحلة، هل يمكن للمهمشين في العراق الحصول على بيوت بسيطة تضمن عدم تشردهم في الشوارع، وضمان حقوقهم الانسانية، انا اضم صوتي لتنفيذ هذه البيوت على أن تزود بجميع الخدمات، كما أوصي الحكومة بأن تهتم بسكن الشباب، لاسيما الذين همشتهم ظروف الحياة الصعبة اسوة بالمهمشين، وقيام مؤسسات الدولة العراقية بطلب المشورة كلما اقتضى الامر من المؤسسات الدولية لصياغة ستراتيجيات الارتقاء بالأحياء المتهالكة والعشوائية واستطلاع رأيها بالمشاركة مع الاستعانة بالاستشارة الضرورية من المؤسسات الاستشارية العراقية الحكومية والخاصة وفي مقدمتها الهيئة العامة للإسكان.