أزماتها تهدد العالم كله.. تمزيق نيجيريا

بانوراما 2021/10/11
...

   تشارو سومدان كاستوري
   ترجمة: بهاء سلمان    
إنه العقد الأكثر أساسية بين المدنيين وحكامهم، إتفاق يسبق نشوء الدولة العصرية: الأمن؛ فمنذ زمان الملوك القدامى إلى ديمقراطيات القرن الحادي والعشرين، علم كل نظام حكم بضرورة تأمين البلاد، ولو بأقل مقدار ممكن، من التهديدات الخارجية والاعتداءات الداخلية المرتكبة ضد مواطنيه لأجل التمتع بأية شرعية. وإذا ما أصيبت مصداقيتها بالضعف، تلجأ الدولة إلى توظيف احتكارها لسلطة عنيفة بنطاق واسع لإدامة سيطرتها باستخدام الخوف.
    
 وشهدت غالبية البلدان الكبيرة والمعقدة، من أمثال الولايات المتحدة وبريطانيا والهند والصين، ذلك العقد المتنازع عليه بدرجات متفاوتة خلال مراحل مختلفة من رحلتهم الحديثة. لكن خلال العام الحالي 2021، يبدو أن العقد قد أصابه الانهيار في أحد أهم بلدان العالم، مع إجابات متواضعة حول كيفية امكانية إعادة الاستقرار إليه أو ترميمه، كما إن الوضع المزري الواضح في نيجيريا ربما سيهز العالم بأسره.
ومع شعب يبلغ تعداده 200 مليون نسمة، تعد نيجيريا أكبر دول أفريقية بعدد السكان، علاوة على احتضانها لأكبر اقتصاد، وتبلغ الميزانية العسكرية للبلاد نحو ملياري دولار سنويا، وهو مبلغ يفوق ما تنفقه بقية دول غرب أفريقيا بأكملها على قواتها المسلحة. ورغم ذلك، وبعد مرور ست سنوات على انتخاب الحاكم العسكري السابق «محمد بوهاري» بشكل ديمقراطي رئيسا للبلاد بوعود دحر تنظيم «بوكو حرام» الإرهابي، فشلت البلاد على نحو شامل في مواجهة ما لا يقل عن ستة تحديات مختلفة لها آثار تمس أمن القارة السمراء وما بعدها. 
حتى الآن، كان وجود حركة بوكو حرام محددا بشكل كبير في شمال شرق البلاد، وليس أكثر من ذلك. لكن في شهر نيسان الماضي، شن التنظيم هجوما على أجزاء من دولة النيجر المجاورة لأبوجا واحتلتها، جاعلة المسلحين أقرب من أي وقت مضى لعاصمة نيجيريا.
 
تكاثر الأعداء
قبل بضعة أسابيع، انتشر خبر في نيجيريا عن مقتل ابوبكر شيكاو، زعيم بوكو حرام. بيد أنه لم يكن الجيش النيجيري هو من أطاح به، أو طائرة درون متطوّرة من قتلته. وقد أعلن تنظيم داعش فرع «غرب أفريقيا» المنافس لبوكو حرام، والذي يدين بالولاء لقيادة عصابات «داعش» المركزية، تأكيده لقتل شيكاو لنفسه بعد محاصرته من قبل فرع التنظيم الأفريقي. الحكومة النيجيرية وبوكو حرام لم تنفيا أو تؤكدا رسميا تلك المزاعم؛ غير أنه ظهر أمر جلي واحد: بدلا من مقاومة مجموعة إرهابية شرسة واحدة، على أبوجا التعامل الآن مع مجموعتين.
في جنوب شرق البلاد، أطلّت حركة «بيافرا» الإنفصالية برأسها من جديد، وهي حركة قديمة بقيت ساكنة لفترة طويلة تحت جمر انتظار الفرصة. وكانت حكومة نيجيريا قد سحقت دولة بيافرا المستقلة القصيرة العهد خلال ستينيات القرن الماضي. ولأن زعيم الحركة الجديد يهودي الديانة، برزت قضية العنف ضد السامية أيضا في نيجيريا خلال السنوات الأخيرة، كما فرض بوهاري تعتيما إعلاميا جعل العالم المتجاهل لشؤون أفريقيا لا يعرف عن أزمة بيافرا الجديدة سوى من خلال تطبيق تويتر، حينما تم تعليق حسابه الشخصي بسبب تغريدة أطلقها مهددا مؤيدي استقلال بيافرا؛ ليقوم بوهاري بعدها بحظر تويتر في نيجيريا.
مع جميع هذه المشكلات، ظهرت عصابات قادرة على اختطاف تلاميذ المدارس متى ما شاءت، كل أسبوع تقريبا، كان آخرها اختطاف 150 طفلا قبل عدة أسابيع، بينما تدور رحى نزاع إثني مستعر، لكن على نحو هادئ، بين أهم جماعتين اثنيتين في البلاد، فولاني وهاوسا، من دون أن يشعر العالم الخارجي تقريبا بها. يمتهن جماعة فولاني الرعي غالبا، أما هاوسا فهم مزارعون؛ وتشير تقارير سابقة إلى أن الضغوط المتنامية حول الموارد المحدودة للأراضي قد تسببت بمعارك دموية أودت بحياة أعداد من الناس أكثر من ضحايا جرائم بوكو حرام. وكانت آخر الحوادث هي إطلاق سراق الماشية النار على سكان إحدى القرى، تاركين خلفهم 66 قتيلا.
 
حقوق مغيّبة
فضلا عن ذلك، هناك الصراع الحاد لدرجة القتال حول دلتا النيجر؛ موطن الاحتياطيات الضخمة للنفط النيجيري، حيث لطالما تذمر السكان المحليون من عدم حصولهم على منافع إقتصادية لما تجود به أراضيهم من موارد طبيعية. ورغم تزايد معدل العمر عبر البلاد، لكنه يتناقص في منطقة دلتا النيجر. أخيرا، يبرز خليج غينيا قبالة الساحل النيجيري كموقع مفضّل لجميع قراصنة العالم، فمن بين 135 حالة قرصنة حدثت سنة 2020، كان نصيب خليج غينيا 130 حالة.
ربما ستمتد عواقب فشل بوهاري إلى ما وراء الحدود النيجيرية، فالسيناريو المحتمل لدخول بوكو حرام إلى العاصمة أبوجا، أو تمزّق نيجيريا وتحوّلها إلى ممالك متعددة تابعة لميليشيات متحاربة، ليس بعيدا عن عالم الاحتمال. كما إن سقوط الدولة النيجيرية من الممكن أن يعمل على تحويل منطقة غرب أفريقيا والساحل الأفريقي إلى حاضنة آمنة وقاعدة إنطلاق عالمية لأخطر المجاميع والمنظمات الإرهابية والإجرامية في العالم. من المثير لاهتمام القوى العالمية أن تقوّي سلطة بوهاري من خلال تسليح جيشه بشكل أكبر، أو تساعد نظام حكمه ماليا على أمل إمكانية تحقيقه بعض التوازن لدولة نيجيرية فاعلة؛ لكن ذلك البحث عن «الاستقرار» ما هو إلا عبارة عن منهج أدى بالغرب إلى دعم أنظمة حكم إستبدادية متتالية، من دون الاكتراث إلى حقيقة أن أنظمة الحكم غير المتمتعة بشعبية تساندها، ينتهي بها المطاف إلى مواجهة مقاومة عنيفة، لأن الوسائل الديمقراطية للمعارضة ليست متوفرة ببساطة شديدة.
يبدو أن العالم بحاجة للإصغاء إلى أصوات نيجيريا وشبابها وأقلياتها الإثنية والمناطقية وتقدير مخاوفهم. فسكان نيجيريا يحتاجون للاطمئنان بعدم نسيانهم، وأن أصواتهم مسموعة؛ وهذا هو السبيل الوحيد لنزع فتيل قنبلة نيجيريا الموقوتة قبل أن تنفجر على الجميع.