إعلام الاستحسان والاستهجان

الرياضة 2021/10/12
...

علي رياح  

سؤال مكرور تثيره أزمة منتخبنا الكروي في تصفيات المونديال: هل تكمن وظيفة الإعلام الرياضي، تحت أي ظرف، في أن ينزل إلى مستوى إدراك الناس وأعمالهم ورغباتهم مهما تدنـّت لدى بعضهم أو القليل منهم، كي يحظى بالرضا والقبول؟  
الإعلام إن فعل ذلك دوما تحول إلى أداة تزيد التدنّي تدنيا، فيجد نفسه في خاتمة المطاف وقد هبط بشكله ومضمونه إلى مستوى ذلك المغني ـ ولا أقول المطرب ـ الذي يردد الجُمل الهابطة والكلمات الركيكة تواصلا وانسجاما مع ما يريده أصحاب (الأذواق) الرديئة ممن يشكلون فريقا عريضا للأسف الشديد، لكن ذلك لا يعني بالقطع أنه الفريق الذي يمتلك الذائقة!  
إنه فريق يتحكم، بحكم الكثرة والاعتياد، بشباك التذاكر، لكنه لم يكن في يوم من الأيام مؤشرا حقيقيا على سلامة الأداء أو العرض!  
الكلمة في الإعلام أداة للبناء حتى لو استباحها محدثو النعمة من أصحاب الأموال، وشذاذ الآفاق، ومتصيدو الأرزاق في أوقات الشدة والأزمة وأنصاف الأميين، وهذا الدور يملي عليها ـ حسبما نرى ـ أن تكون لينة حينا وقاسية في أحيان أخرى، حتى لو جرت كلماتها مجرى مشرط الجرّاح في قلوب الناس.. فالإعلامي قد لا يجد غير التناول الصادم يهز به الأفكار والعقول والضمائر قبل أن تستشري الأمراض والأوبئة وقبل أن يصل الحال إلى نقطة اللا رجوع واللا حل. 
لهذا، قد يتهم البعض إعلامنا الصريح الموضوعي بالقسوة في التعاطي مع أزمة المنتخب خصوصا بعد العرض الهزيل أمام لبنان، لكنني أدرك في هذا المفترق بالذات أن صورة المنتخب كانت قاسية بل صادمة وربما غير مسبوقة في المعايير الفنية والخططية والتنظيمية، وهنا التقت ردود الأفعال الجماهيرية الغاضبة بالطرح الإعلامي الذي كان هو الآخر قاسيا حينا، ومتربصا ومتصيدا ومنتظرا هذه اللحظة، حينا آخر!  
يبقى ما هو ثابت في مهنتنا، وهو القناعة الراسخة بأن الإعلامي يجب أن يسعى إلى كشف الحقيقة مهما كلفه ثمن ذلك، لا أن يجلس على التل انتظارا لما سيؤول إليه مجرى الأحداث.. إنها مهمة صعبة قد تجد الرفض لدى فئة من المعنيين بالمنتخب، لكنها تجد القبول حتما لدى الناس حين يتأكدون أن إحساسهم الأولي بشعور الصدمة أنفع وأجدى من ترضيتهم بكلمات هابطة فيها الكثير من الزيف والمجاملة!  
لهذا، فإن الإعلامي قد يكتب أو ينطق بما لا يريده الناس للوهلة الأولى، في مسعى منه لقول كلمته في أوانها، لعل الأيام بعد ذلك تثبت سلامة نيته وصدق مفرداته.. وخير للإعلامي أن يجد نفسه وقد غادر ميدانا أو موقعا لأنه لا يستطيع أن يغير قناعاته، فهو يخلص دوما للمهنة ولا يتوجب عليه أن يرفع سيفه دوما للدفاع عن المخطئين إذا كانت مواقفهم متذبذبة وركيكة ومتبدلة وساذجة، لا لون لها ولا طعم، فالضرر الحاصل أصابنا جميعا مثلما أصاب المنتخب، وهنا أسجل للإعلام الرياضي التقاءه إلى حد بعيد مع الهموم التي يكابدها الناس جراء الصدمة بأحوال المنتخب!  
في وسعي القول إن الإعلام العراقي سجل هدفا صريحا في التعاطي مع هذه الأزمة، فلقد تخلى عن الصورة النمطية السائدة لبعضه وهي الانتقاد لمجرد التسقيط.. لهذا أتمنى أن نغادر هذه الصورة في كل قضية من قضايا الرياضة، فالإعلامي المحايد الصريح الموضوعي هو الذي يرسم للجميع بشائر المستقبل!