كلمة أخرى.. للتاريخ!

الرياضة 2021/10/25
...

علي رياح  
الجمعة الموافق للحادي والثلاثين من آذار عام 1978 كان المنعطف الذي غيّر تقليدا، وغادر إطارا، وصنع تاريخا مختلفا سيبقى عنوانا للمجد لدى كل محب للكرة العراقية ومنصف لها!  
ملعب الموانئ العراقية تضعه المقادير في الواجهة، فاليه ستتجه الأنظار في يوم حسم مصير الدوري العراقي.. واليه اتجه الشرطة بكامل العدة والعدد كي يلعب على أرض المضيف الميناء وتحيط بالاثنين حسابات نادرة ربما لم تتكرر كثيرا في جميع سجلات الدوري العراقي.. كان على الشرطة (17 نقطة) أن يحقق الفوز كي يحسن موقعه كثيرا على اللائحة إذا خدمته أيضا حسابات أخرى تتعلق بفريقي الصناعة (18 نقطة) والزوراء (17 نقطة)، أما الميناء (19 نقطة) فكان الفوز أو التعادل (بسبب غزارة أهدافه) سبيله للتربع على زعامة الكرة العراقية للمرة الأولى في عمره الطويل، كاتبا بذلك عهدا جديدا في سجل المحافظات، يتحول بموجبه من شرف المشاركة في الدوري إلى ميزة الفوز به!  
وقائع تلك المباراة ليست عصيّة على من عاش ذلك اليوم المجنون الذي يتوّج الجولة الأخيرة من الدوري.. فاز الزوراء على الاتحاد البصري فرفع رصيده إلى تسع عشرة نقطة وتعادل الصناعة مع الاقتصاد وصار رصيده هو الآخر تسع عشرة نقطة.. الساحة أصبحت ممهدة أمام البصريين الباحثين عن لقب يكتب خاتمة رائعة لموسم كبير لهم كان مميزا بالنتائج الكبيرة..  
في الملعب كان نجوم الكرة البصرية في قمة التوهج.. بعد أربع دقائق من انطلاقة الشوط الثاني أطلق الحكم الراحل صبحي أديب العنان لصفارته معلنا عن ركلة جزاء للميناء حولها النجم الكبير جليل حنون إلى إصابة في شباك حارسنا الدولي رعد حمودي، بهذا الهدف توّج جليل حنون هدافا للدوري برصيد (11) هدفا، غير أن المهمة الكبرى - إحراز الدوري - لم تتم بعد.. يزداد المشهد دراماتيكية قبل نهاية المباراة بخمس دقائق.. يحصل الشرطة على ركلة جزاء يتولى تنفيذها الحارس رعد حمودي – وفقا للموضة السائدة في ذلك الوقت – فيخفق في التنفيذ خلافا لما كان عليه الحال في كثير من المناسبات السابقة!  
الركلة الضائعة، تفجّر كل معاني الفرح في الملعب.. ملامح البهجة تملأ المكان، والعرس البصري يبدأ حتى قبل صفارة النهاية، فلقد صار في الإمكان الاحتفال بأول لقب تناله المدينة الكبرى بفضل النخبة من نجومها الأفذاذ.. اتحدث بفخر عن عبد الرزاق أحمد وهادي أحمد وعلاء أحمد ورحيم كريم وجليل حنون وعزيز عبد الله وستار فرحان وحسن عبد الحسن وعدنان صدام وصبيح عبد علي وهادي جبار وعبد الرضا حسين وخليل إبراهيم ورعد عبد الله وآخرين اعتذر بالنيابة عن ذاكرتي عن المرور على أسمائهم..  
لماذا العودة إلى حدث مرّت عليه ثلاث وأربعون سنة وسبعة أشهر؟! لديَّ أسباب عدة، سأكتفي بواحد منها، وهو إن الميناء حين أحرز ذلك اللقب، فانه انتزعه من أكبر أندية بغداد والتي كانت في علياء شأنها، يصعب التفوق عليها جميعا في موسم واحد.. اتحدث عن الزوراء والشرطة والصناعة والجيش، ثم الطيران والجامعة (الطلبة) اللذين كانا يعيشان موسما متعثرا.. كل هذه النخبة من الأندية العامرة بالنجوم لم توقف زحف الميناء نحو لقبه الأول.  
هكذا عرفنا الكرة البصرية.. هكذا تبدو الصورة الأصيلة الحقيقية للميناء حين يجري وصفه بين كبار الكرة العراقية وأقويائها.. نادٍ بمثل هذه العراقة، تحفّ به قمم النجوم، وتزيّن واجهته الألقاب، قد يتعثر.. قد يتوعك – كما هو حاصل اليوم – لكنه سينهض حتما ليقول كلمة أخرى في التاريخ، وللتاريخ..