الى متى يبقى العراقيون مستهلكين سلبيين؟

ريبورتاج 2021/10/30
...

ذوالفقار يوسف
السلوك هو ما يحدد توجهات الانسان في الاستهلاك من خلال تلك الصورة التي يكونها عما يريد شراءه، بغرائز واحتياجات تحتم عليه ان يخوض في عالم التسوق، فالحاجة هي شعور الانسان بان لديه نقصاً ما ولا بد ان يسده من خلال شرائه، اذ يمر المستهلك بعدة عوامل مؤثرة في سلوكه الشرائي او استخدام سلعة معينة باختلاف توجهاته وطبيعته وخلفيته الثقافية والاجتماعية والسوق الذي يجب ان يتعامل معها من خلال تقييم السلع.
 
اما المجتمع العراقي فله اساليب متعدد بالشراء لم تبن بشكل صحيح وممنهج، فقد تراه يسعى الى شراء سلعة ما بالرغم انها ليست ذات اهمية في حياته، او من خلال عوامل نفسية كالتقليد والغيرة، فضلا عن الادمان على الشراء من قبل بعض الفئات، اضافة الى انتشار التسوق الالكتروني وخدمات الانترنت التي تسهل عملية الوصول الى المنتج وعرضه بصورة جاذبة للفرد.
 
ادراك متأخر
يلعب الادراك دورا مهما عند الفرد في كيفية اختيار السلع التي تقوم بتسهيل احتياجاته اليومية، ولانعدام التوعية الشرائية في المجتمع العراقي صارت اغلب السلع ذات الجودة السيئة تغص بالاسواق الواقعية والافتراضية، منتظر حسين (27 عاما) يواجه هذه المعضلة كلما اراد شراء سلعة ما، ولانه قد قام بتجربته الفاشلة في شراء مايريده، الا انه متخوف من اعادة الكرة، فمنتظر اراد شراء جهاز هاتف اخر لمجرد ان هاتفه لايحتوي على كاميرا ذات دقة عالية، يقول حسين “ان تعدد شركات الهواتف وعدم مصداقية مراكز التسوق في البلد جعلتني اتردد”، سألناه وما حاجتك لهاتف جديد وانت تمتلك هاتفاً ذكياً؟، اجابنا “صديقي يمتلك هاتفاً فضلاً عن هاتفه، وما المانع من ان اكون مثله”.
استحوذت الغيرة على منتظر ما ان تدخلت العوامل الخارجية في نفسيته، وهنا انعدم شعور الحاجة لسد النقص، نور ايضا تحاول ان توفر الاموال لشراء مساحيق التجميل ومن كل منتج اثنين، كان لديها هوس كبير لهذا النوع من المنتجات، فهي ترى بأن شراء حاجتين من النوع ذاته يوفر عليها طلبها مرة اخرى اذ نفدت، ولا تعير اهمية لجودة المنتج وتاثيرات الزمن عليه، تقول نور “صدمت لمرات عديدة بسوء جودة المنتجات، الا ان هوسي بالشراء لم يقل ابدا، انها متعة لا مثيل لها”، تحاول نور الخلاص من هذه العادة من خلال عدم الذهاب الى الاسواق او تصفح مواقع التواصل الاجتماعي التي تكثر فيها الاعلانات التسويقية.
 
هوس
ومن ادمان نور يندر وجود هوس ضحى خالد (22 عاما) بشراء الملابس، تقول ام ضحى انها تمتلك ثلاث خزانات مملوءة بالملابس، فضلا عن تلك التي تعيرها الى صديقاتها او تقدمها للمحتاجين رغم انها لم ترتديها الا مرة واحدة منذ شرائها، فضحى متابعة لبرامج الازياء والفنانات وما الجديد في عالم (الستايل)، تقول ضحى “ان ملابسي هو تعبير عن شخصيتي ومكانتي”، وعن سبب شراء هذه الكميات واستهلاكها بهذه الطريقة قالت ضحى: “لا استطيع منع نفسي من الشراء اذا ما تعلق الامر بالموضة، ان الوانها وتصميماتها ولمعانها جعلني اصاب بهوس التسوق”.
 
عمار جارجر
ان استقبال الفرد للمثيرات عن طريق حواسه الخمس يحدد من خلاله تقييم المنتج وبالتالي يحدد امكانيته الشرائية عن طريق هذه المحفزات، فان شراء الافضل او الاجمال هو الهدف الحقيقي للشراء، عمار الوائلي (37 عاما) هو الاخر قد تاثر بالمنتجات وانفتاح البلد على الاسواق الاجنبية، ويعرف بين اصدقائه باسم (عمار جارجر) بسبب استبداله لعجلته كلما صنعت احدى الشركات عجلة ذات نوع احدث، وبالرغم ان عمار من ذوي الدخل المحدود، الا انه لم يتزوج حتى الان بسبب توفير اموال عمله لشراء واستبدال العجلات باستمرار، يعزو عمار سبب هذا الامر لتطور التكنولوجيا الحديثة والاضافات التي تطرأ على العجلات، يقول لنا” اعلم بانني مستهلك سيئ، فكلما اقوم بشراء عجلة جديدة اخسر اموالا ببيعي لعجلتي القديمة واضيف مبلغاً اضافياً لشراء عجلة جديدة، الا اني لا استطيع التحكم بتصرفاتي ما ان ارى العجلات اللامعة معروضة امامي”، انها وظيفة اشباع الحاجات والتي تسبب بالتالي الاستهلاك السلبي.
 
دواء ثم داء
ان يستهلك الانسان ما يكفي حاجته وحاجة أسرته فهذا الامر بعيد عن العراقيين، اذ ترى تلك المراة وهي تتسوق سلعاً سترميها ما ان تستعملها لمرة واحدة، مخزن للسلع في كل منزل يغص بالحاجات، اثاث يرمى في النفايات ولم يمر عليه الوقت الا عدة اشهر من شرائه، الا ان حجي موزان قد تخطى المعقول بقدرته الشرائية، فهو يشتري الادوية من الصيدلية في كل يوم، انها متعته المكررة كلما تعدى وقت الظهيرة، يحدثنا محمد نعيم صاحب صيدلية في احد احياء العاصمة “لم ياخذ بتحذيراتي وتوصياتي المستمرة، اذ ان حجي موزان البالغ من العمر 70 عاما قد ادمن شراء ادوية لا يحتاجها، وكلما سالته عن هذا الامر يقول لي “ابني هذا مهم للقلب، ابني هذا يعدل الضغط”، نعيم يحاول ان يقوم بواجبه، فزيادة شراء الادوية واستهلاكها يحولها الى داء، وقبل ان يبدأ نعيم بسرد مخاطر شرب الادوية بدون الحاجة لها، دخل الحاج موزان ليشتري كيساً اخر مملوءاً بالادوية كما يفعل كل يوم.