فقدان الذاكرة أكثر من مجرد نسيان عابر لكلمة او اسم

اسرة ومجتمع 2021/10/31
...

 لوري آرتشبالد بانون
 ترجمة وإعداد : أنيس الصفار                                       
 
ترتفع حالات فقدان الذاكرة في الولايات المتحدة مع تقدم جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في السن، الأمر الذي يثير اسئلة لدى هؤلاء الاشخاص واسرهم ومن يتولى رعايتهم، ولا يعد فقدان الذاكرة مرضاً بحد ذاته، ولكنها عبارة يقصد بها انحسار القدرة على التفكير او التذكر او اتخاذ القرارات، وهو العجز الأكثر اثارة للخوف حين تتقدم السن بالانسان. 
تتزايد الحالة بقوة مع بلوغ الانسان التسعينيات من عمره، فنسبة الذين يصابون وهم بأعمار تتراوح بين 71 و79 عاماً تقارب 5 %، ولكنها ترتفع الى نحو 37 % لدى من يبلغون التسعين.
قد يشعر المسنون بالقلق من فقدانهم قدراتهم الوظيفية، ولكن ثمة قلقا آخر يتعلق بالتكاليف والاعباء التي يتحملها من يرعى فاقد الذاكرة، قدرت دراسة اجريت في العام 2018 تكاليف رعاية المصاب بمرض الزهايمر، وهو الحالة الشائعة لفقدان الذاكرة، بنحو 329 ألف دولار، وهو رقم قابل للزيادة بمرور الزمن ويشكل عبئاً غير يسير على الاسرة ومؤسسات الرعاية الصحية.
يحاصر كبار السن بتساؤلات كثيرة، وبالذات من يصابون بفقدان الذاكرة، وهذا يضع عليهم وصمة اضافية وقد ينتهي بهم الى عزلة ظالمة، لذا ينبغي أن نتفهم حالة فقدان الذاكرة والآثار التي تخلفها على اكثر من خمسة ملايين انسان في الولايات المتحدة يعيشون حالياً تحت رعاية من يتولى شؤونهم، الرقم المذكور يتوقع له أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول العام 2060.
أولاً، من المهم معرفة ان فقدان الذاكرة لا يمكن أن يشخصه من كان بعيداً او لا يتمتع بخبرة طبية، لأن التشخيص يتطلب اختباراً طبياً مفصلاً قبل البت، وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر حتى أخذ صور للدماغ. 
أن تنسى كلمة عرضاً، أو اين وضعت سلسلة مفاتيحك، لا يعني انك مصاب بفقدان الذاكرة، لأن فقدان الذاكرة على انواع ولكل نوع اسبابه.
يتساءل كبار السن مع انفسهم ويتولاهم القلق بخصوص "لحظات العمر المتأخرة" تلك وفقدان الذاكرة الذي ينتظرهم، في عيادتي المخصصة للمسنين اصادف مراجعين كثيرين كل اسبوع واسمع منهم قصصاً مختلفة، قد ينسى احدهم كلمة او يشرد باله فينسى ماذا كان يقول، وقد يفقد مفاتيحه او يعجز عن تذكر اسم شخص، التفاصيل قد تختلف ولكن القلق واحد: هل بدأت أفقد ذاكرتي؟.
 
فقدان الذاكرة الطبيعي
مع تقدم العمر بنا تشهد اجسامنا وقدراتنا المعرفية تغيرات عديدة، فكبار السن غالباً ما تتراجع عندهم «الذاكرة الاسترجاعية»، وهذا أمر طبيعي.
هل صادف ان واجهت صعوبة في استرجاع معلومة محشورة بعيداً في اعماق تفكيرك؟ كأن تصادف شخصاً في محل البقالة لم تره منذ سنين فتتذكر الوجه ولكنك لا تستطيع تذكر اسمه إلا فيما بعد في مساء ذلك اليوم؟ هذا كله طبيعي .. إنه جزء من التغيرات المتوقعة مع التقدم بالسن. 
عندما تبدأ بمواجهة مصاعب في التذكر، مصاعب لا تتداخل مع نشاطاتك اليومية، فإن هذا يسمى «التدهور المعرفي الخفيف"، على طبيبك أن يتنبه له ويشخصه، ولكن الوضع ينحدر الى الأسوأ احياناً، لذا على طبيبك أن يتابعك عن كثب إذا ما لمس لديك "تدهوراً معرفياً خفيفاً».
يصبح الأمر مشكلة محتملة عندما تبدأ بنسيان اسم شخص تراه كل يوم، او تنسى كيف تصل الى مكان ترتاده باستمرار، او تواجه مشكلات في القيام بفعالياتك اليومية مثل الأكل وارتداء الملابس والعناية بالنظافة الشخصية. 
عليك هنا أن تبدأ بتسجيل أوقات بدء كل عارض من هذه الاعراض لكي نرى هل جاء التدهور تدريجياً، أم حدث فجأة؟ هذا ايضاً ينبغي مناقشته مع طبيبك الذي قد يشير عليك بإجراء فحص لتقييم قدراتك المعرفية وهو فحص يتضمن عملية مسح تساعد في البحث عن اسباب مشكلات الذاكرة ويساعد على اتخاذ قرار فيما إذا كانت هناك حاجة لمزيد من الفحوص.
 
حالات أكثر شدّة
عندما يبدأ فقدان الذاكرة بالتدخل في نشاطاتك اليومية ينبغي عليك مراجعة طبيبك ليشير عليك كيف تضمن سلامتك في البيت، وهنالك انواع متعددة من فقدان الذاكرة الشديد، وفقدان الذاكرة المعتاد يأتي ويتطور ببطء على مدى اشهر او سنوات، ولكن النوع الهذياني يكون اكثر بغتة إذ قد يحدث في غضون ساعات أو ايام، وهذا النوع يحدث عادة في اعقاب مرض شديد الوطأة، الاكتئاب النفسي يمكن أن يسبب ايضاً تغيرات في الذاكرة، لاسيما عند تقدم العمر.
 
فقدان الذاكرة 
وحالات أخرى تصيب الدماغ
مرض الزهايمر هو الحالة الشائعة لفقدان الذاكرة يليه الخرف الوعائي (وسببه قلة وصول الدم الى الدماغ جراء سلسلة من الجلطات الدموية الصغيرة)، الأعراض تكون متشابهة في الحالتين وتتمثل في تشوش التفكير والشعور بالتشتت والضياع ونسيان اقرب المقربين او حتى افراد الاسرة، وربما عدم التمكن من اجراء ابسط العمليات الحسابية، ومن المهم في هذه الحالات التركيز على السلامة واستمرار المراقبة، لاسيما في المنزل، ومن المهم ايضاً الانتباه الى حالتي الهذيان والاكتئاب النفسي لأنهما يمكن أن تسفرا عن تدهور الوظائف العقلية، لاسيما الاكتئاب لأنه عادة ما يصيب المتقدمين في السن. 
ومن المهم جداً التزام الصراحة والانفتاح مع الطبيب عند مناقشة اي تغيرات يلاحظها المرء على ذاكرته او تفكيره لأن تلك هي الخطوة الأولى صوب تشخيص حقيقة ما يحدث وضمان أن تكون الصحة موضع الاهتمام الأول.   
عن صحيفة واشنطن بوست