عباس رضا الموسوي
ما ان تقود سيارتك خارج حدود مركز محافظة الديوانية المكتظ بالابنية والضجيج والازدحام، حتى تجد نفسك في بيئة اخرى، كأن اشياءها تخرج من باطن لوحة رسمتها انامل الطبيعة، حيث البساط الاخضر والانهر المتعرجة والشجيرات المزهرة واسراب الطيور الغادية والرائحة، ففي ارياف هذه المدينة الفراتية وجد الهدوء ضالته منذ الازمنة الغابرة فمكث، لذا فان عدوى الصمت تصيب كل من يرومون المكوث هناك ولو لوهلة، بل حتى تلك الاسر الفلاحية التي تأقلمت مع هذا النمط من الحياة وصارت هي الاخرى بعشقها للارض والغرس جزءا من هذه اللوحة المثيرة للدهشة.
أسر فلاحيَّة مكتفية
لقد حققت الكثير من الاسر الفلاحية الاكتفاء المعيشي الذاتي ولم تعد تكترث كثيرًا للعمل خارج نطاق الزراعة، بل وترفض بشدة أن يذهب احد ابنائها لطلب العمل في المدينة وحتى التعيين في دائرة ما، ويقول الحاج سلام آل روضان - رب اسرة: ان كل ما املكه من الارض التي ورثتها عن ابي رحمه الله 10 دونمات، ازرع اغلبها بالخضار مثل الرقي والبطيخ والطماطم والبصل والباذنجان واللوبياء والخس والباميا وغيرها من محاصيل، تسد نفقاتي السنوية وتزيد على ذلك، مشيرا الى أن اسرته تكاد تكون مكتفية معيشيا، خصوصا وانها تتناول صباح كل يوم البيض الذي تنتجه دجاجات المزرعة، والحليب الذي تدره ابقارها، ويتناولون في الغداء والعشاء ما تيسر من اسماك بحيرته او طبخ ما اشتهت اسرته من زرع ارضه، وغيرها من احتياجات يجدها امام ناظره، لانه غرسها بيده ونضجت تحت رعايته.
السوق المحليَّة غير ملزمة
وعن مدى اكتراثهم لما تحتاجه السوق المحلية من خضار وفاكهة ليسهموا بسد النقص يقول عبد الامير محمد الجابري (52 عاما): ان الفلاح غير معني بسد حاجة السوق المحلية، مادامت حاجتها من الخضراوات تصيبه بالخسارة، خصوصا وان بعض المحاصيل الزراعية تكون نفقات زراعتها اكبر من اثمان بيعها، ولطالما تعرض الفلاح لهذه المواقف الصعبة ووجد نفسه في حرج امام التجار الذين يجهزونه بالمستلزمات الزراعية، مضيفا: اذكر ذات مرة ان الفلاحين اكثروا من زراعة الرقي لسد احتياجات السوق كونه شهد شحة بالرقي وفوجئوا بالمستورد قد غطى السوق مع موعد قطاف المحلي، فخابت الآمال وصاروا يبحثون عن الذي يشتري بضاعتهم بثمن بخس، مشيرا بصراحته الفلاحية الى عدم الوثوق بالوعود التي تطلقها الجهات ذات العلاقة بشأن منع الاستيراد، لان منافذ الحدود غير الرسمية في نظره مفتوحة على مصراعيها امام المهربين.
المنافذ تتلاعب بالسوق
وعن الدور المهم الذي يلعبه عدم السيطرة على المنافذ الحدودية غير الرسمية باسعار السوق المحلية، خصوصا ان الفواكه والخضار تعتمد اسعارها على العرض والطلب، يقول رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة الديوانية محمد كشاش: ان عدم السيطرة على المنافذ الحدودية في اقليم كردستان العراق والبالغ عددها 17 منفذا غير رسمي اثر بشكل مباشر في الاسواق المحلية والمنتجات الزراعية المحلية، وتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة للبلاد والفلاحين، موضحا أن الاجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة بشأن ضبط المعابر الحدودية خلال الاعوام 2019 و 2020 و 2021 مكنت الفلاحين من سد حاجة السوق المحلية بشكل كبير، وخصوصا تجهيز البطاقة التموينية بالحنطة، لذلك نحتاج الى قرار سريع من مجلس الوزراء يساعد على ضبط المعابر الحدودية، خصوصا ان الكثير من المحاصيل الزراعية تدخل عبر اقليم كردستان العراق، ويعاد تغليفها للإيهام بانها منتوجات عراقية، مضيفا: ان مشكلات اخرى تحول دون تمكن الفلاح من سد حاجة السوق المحلية من ابرزها شحة المياه في بعض المناطق الزراعية.
الخطة الشتوية تكفي
ورغم التخفيض الذي اعلنته وزارة الزراعة بشأن الخطة الزراعية الشتوية للموسم الحالي ما يصل بمنتوج الحنطة الى نصف انتاج العام الماضي، الا ان الجهات الرسمية في الديوانية تؤكد عدم تأثر مواطني المحافظة بهذا التقليص، ويقول مدير الارشاد والتدريب الزراعي في محافظة الديوانية جاسم الزاملي: ان الخطة الزراعية الشتوية ورغم تخفيضها من قبل وزارة الزراعة الى 50 بالمئة فانها لن تؤثر بالمواطنين في الديوانية، لاننا نحقق طيلة السنوات الماضية نسبة فائض كبيرة يتم تصديرها الى المحافظات الاخرى، مشيرا الى أن الفلاحين في الديوانية وبعد أن تكيفوا مع الطرق الزراعية الحديثة صاروا ينتجون بغزارة، وتمكنوا من تحقيق الاكتفاء الذاتي والفائض في عدد كبير من المحاصيل الزراعية، ومنها الاسماك والبيض والدجاج والحنطة والرز والباذنجان والرقي والبطيخ، وغيرها من منتوجات زراعية ذات جودة عالية، واثنى الزاملي على تجاوب الفلاحين مع الارشادات والتوجيهات التي يقدمها مركز الارشاد والتدريب الزراعي، خصوصا انها اسهمت بتوفير الجهد ورفعت مستوى الانتاج والجودة.
الزراعة في المهناوية
وعن واقع الزراعة في الاقضية والنواحي وابرز ما يمكن القيام به لرفد الفلاحين يقول قائممقام المهناوية علي الزاملي: ان الزراعة في القضاء متعددة، ومنها زراعة محصول الشلب كمحصول صيفي بانواعه العنبر والياسمين والرشت، كما تزرع عدة محاصيل في فصل الشتاء، ومنها الحنطة والشعير والمحاصيل العلفية كالجت والبرسيم والذرة ومحاصيل اخرى مثل الباميا والباذنجان والخيار والرقي والبطيخ والماش، اضافة الى وجود بساتين كثيرة تنتج التمر والتين والعنب، لكن بشكل محدود، مشيرا الى وجود عدد كبير من الجاموس يقدر بستة آلاف رأس، وكذلك توجد اعداد كبيرة من الابقار والاغنام والماعز، اما المساحة التي تزرع بالشلب والحنطة بالتعاقب فهي 38 ألف دونم، ملخصا مايحتاجه الفلاح لزيادة الانتاج والوصول الى الاكتفاء الذاتي بالدعم من قبل الدولة من خلال زيادة اسعار المحاصيل الستراتيجية، مثل الشلب والحنطة، وكذلك توفير الاسمدة والمبيدات باسعار مدعومة، وتسهيل عملية التسويق واستلام المحصول، وسرعة التسديد للمسوقين، وحماية باقي المنتجات الاخرى النباتية والحيوانية من خلال منع استيراد المنتجات المتوفرة محليا، وغلق الحدود بوجهها، والترويج للمنتج المحلي، وتعويض الفلاحين في حالة حصول ضرر في الانتاج لاي سبب كان.