الثقافة العراقيَّة.. أجيالٌ وصراعات

منصة 2021/11/07
...

 عمار عبد الخالق
شهدت فترة الستينيات من القرن المنصرم كثيراً من تحولات القصيدة العربيَّة، بدءاً من بنيتها التقليديَّة، وصولا الى قصيدة التفعيلة، وانتهاء بقصيدة النثر.. مع هذا التحول برزت ظاهرة صراع الأجيال بشكل لافت، بعد أن ادعى أصحاب الشكل الجديد ريادتهم الجمالية من دون أبوة خمسينية سالفة، فالقصيدة الجديدة تحاول الانعتاق من فحولة شعر العمود سياقياً وجمالياً
 
 في حين رفض السبعينيون وصاية الجيل السابق بعد أنْ بانت ملامح قصيدة النثر العصية على التجنيس وقتها، فالحياة الصاخبة للشاعر والنص الضاج باليومي والمهمل والقابع عند حواف التحقير من ملامح النص الجديد، لن ينتهي صراعها ليومنا هذا، ما دام الشكل الفني في ديمومة مستمرة، والتحولات النفسية والسيسيوثقافية تحف بالمثقف وبأدوات كتابته، وانماط تفكيره.
من هنا وضعنا السؤال التالي أمام الأكاديميين والكتّاب والشعراء.
* متى ينتهي صراع الأجيال الثقافي وما هي التكوينات النفسيَّة التي برزها في النسق العام؟
 
التنافس بين الأجيال
قال الكاتب والأكاديمي الدكتور علي المرهج: «لا ينتهي صراع الأجيال طالما كان القديم هو المهيمن على بناء الرؤية للدولة وسياستها.. قد يتحول الصراع إلى تنافس في حال قبول الجيل القديم بنزع الوصاية والقيمومة عن الجيل الجديد لتجديد الرؤية لبناء مجتمع أفضل..».
وأضاف، «المشكلة تكمن في أنَّ البنية المجتمعية في العراق بنية أبوية، تمارس التقزيم لكل نتاج جيل الشباب وتتمسك بالماضي وكأنه مقياس الحاضر ومسطرة الحكم على الجيد والرديء فيه».
مشيراً الى أنَّ «تنمية الوعي الديموقراطية واتخاذه أسلوب وطريقة حياة لا منهج للفوز في الانتخاب، هو الذي يساعد في المشاركة بين الأجيال والتنافس لتحقيق النهضة المرجوة في مجتمعنا».
 
الخطاب الثقافي
وقال الشاعر والكاتب عقيل منقوش: إنَّ «الصراع الثقافي للأجيال لا ينتهي، لأنه صراع قائم على الإبداع الذي تتغير رؤاه وطرائقه الفنيَّة للتعبير، لكن ليس مفاهيمه الثابتة، فمن الطبيعي أنْ يكون لكل جيل من المختصين بالإبداع نظرة مختلفة للعالم والأفكار عن الأجيال التي سبقتهم، لكن هذا لا يعني عدم فاعلية أو أهمية كل جيل ينتح ثقافياً سواء كان في الشعر أو الرواية أو كل أشكال الإبداع الأخرى..»
وأضاف: «أحياناً تجد أصواتاً لأشخاص من كتاب ومبدعين يحاولون إلغاء إبداع الآخر تحت مسمى الشاعر الوحيد أو الكاتب الأوحد، وهذه ناتجة من ثقافة اجتماعية قبلية ما زالت متغلغلة في مفاصل المجتمعات العربية و في كل نشاطاتها الثقافية أو السياسية وحتى المعرفية».
وتابع: «نعم، لقد تركت هذه الصراعات التي تخرج من كونها صراعات صحية لتنشيط الإبداع الثقافي وتطويره، مثلما يحدث في المجتمعات الديمقراطية أدت إلى تعطيل وتخريب الكثير من المشاريع الخلاقة التي يحملها أصحابها بوعي مبكر ومختلف..».
مشيراً: «وأحياناً هذا ينعكس على الجو العام والخطاب العام للثقافة وتتحول إلى صراعات ومشاحنات وثنائيات مثلما حدث في العراق من مسميات، جيل الداخل وجيل الخارج من المغتربين العراقيين».
 
التطور والتكنولوجيا
وذكر الكاتب كاظم لفته جبر «يعبر مفهوم الجيل عن طائفة أو مجموعة من الأشخاص يتشابهون في الأذواق والاختيارات والأفكار ويعيشون في زمن ومكان واحد. تكونهم الظروف المحيطة بهم، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو دينية أو اقتصادية، وهذا بدوره ينعكس على الأشخاص، إذ يُنمي الوحدة الثقافية التي تميزهم عن غيرهم».
وأضاف: «كل جيل يعبر عن ذاته من خلال المعالجات التي قدموها للظروف التي اجتازوها في زمانهم، فوحدة الزمن هي الكفيلة بتفردهم عن غيرهم. وهذا ما يرى كثيرون، لكن في نظرنا أنَّ لكل جيل ثقافة واختيارات مختلفة عن غيره تبعاً للمعرفة التي يتوصل لها».
وأكد: أنَّ «ثقافة الإنسان تتغير بتطور العلم والمعرفة وليس اختلاف الأعمار فقط, فالصراع حاضرٌ بين مختلف الأجيال، لكون كل جيل يمتلك معرفة تخصه وفقاً للتطور والتكنولوجيا، فالصراع الدائم معرفي أكثر مما هو زمني، وهذا يؤثر في النمط العام للتعاملات بين الأفراد نفسياً ومدى تقبلهم للآخر والأشياء».
إنجاز
وأوضح الكاتب والناقد د. رحمن غركان: «حين يضيف الجيل التالي جديداً للأجيال التي سبقته فهذا انتصار لأثر السابقين في اللاحقين، لأنهم حفزوا فيه المنافسة ونزعة الإضافة، ومن ثمة فإنَّ صراع الأجيال الثقافي مؤشر صحي على المستوى النفسي، ومؤشر إبداعي على مستوى الإنجاز الذي يتوق أهله للتطوير والإضافة والتجديد، وتكويناته فنية إبداعية على مستوى العطاء الفني ومنه الأدبي، ونفسية إثرائيَّة؛ حيث المبدعون مجبولون على نزعة التميز، حتى كانت المعارك الأدبية دليل ازدهار نوعي، في الثقافات التى تجيء فيها».
 
المعتقدات
ويرى الكاتب والناقد الدكتور علاء كريم أنَّ «الصراع الثقافي بين الأجيال قائمٌ على الاختلاف في الآراء بين جيل وآخر، وذلك على ضوء ما يتعلق بالمعتقدات، أو ما يرتبط بالجانب السياسي، وحتى ما يلامس القيم والثقافية، ويحدث الاختلاف بسبب الفراغ الذي يفصل بين الأفكار التي يعبر عنها أبناء جيلين مختلفين في الأفعال والمعتقدات والأذواق، فنجد اختلافاً كبيراً بين الآباء والأبناء في الآراء والأفكار، فالأبناء يتهمون آباءهم بأنهم لا يفهمونهم وأنهم متأخرون عن إيقاع العصر ويصفونهم بالمتشددين، بينما يتهم الآباء أبناءهم بأنهم لا يلتزمون بالقيم ولا بالعادات ولا حتى بالتقاليد، لأنهم قليلو الخبرة، ما يؤدي ذلك الى عدم احترام آراء الآباء».