الرقابة على المطاعم.. اتهامات بالإهمال والتقصير

ريبورتاج 2021/11/10
...

   بدور العامري
طابور طويل يكاد يصل الى منتصف الشارع واصوات تعالت بالسؤال عن دورها في تسلم وجبة الطعام (السفري)، هذا المشهد يعطيك انطباعا اوليا عن مدى جودة الطعام والخدمة المقدمة في ذلك المطعم، لتكتشف خلال وقت قصير أن المكان يفتقد لأبسط شروط الصحة والسلامة الأساسية الواجب توفرها في المطاعم، بدءا من ضيق المكان وعدم وجود التهوية اللازمة، إضافة الى قلة الاهتمام بالنظافة خاصة (دورة المياه)، وليس انتهاء برداءة نوعية الطعام المقدم للزبائن، وما خفي كان اعظم!.
 
ترويج
تلعب الدعاية والاعلان دورا كبيرا في الترويج لبعض المطاعم او الاكشاك التي تقدم أنواع المأكولات، مع العلم انها تفتقد الى اغلب شروط السلامة الصحية، اذ تقول الشابة سجى علاء(34عاما)، تعمل في احد محال بيع الملابس في منطقة الكرادة ببغداد: «كثيرا ما نشاهد إعلانات في الشوارع او على وسائل التواصل الاجتماعي تروج وتسوق لمطاعم معينة، خاصة تلك التي تقدم الاكلات السريعة، وبعد السؤال والتقصي لعدد ممن ارتاد هذا او ذاك المكان يتبين عدم وجود للمزايا والحسنات التي ذكرها الإعلان، اذ كثيرا ما يقدم اطعمة سيئة المذاق وتسببت بحالات تسمم بعد تناولها، نتيجة لرداءة اللحوم المستخدمة ومصادرها مثل (اللحم الهندي) بالنسبة للحوم الحمراء او الدجاج الذي غالبا ما يكون من النوعيات المستوردة التالفة بسبب الغش وطرق الخزن الخاطئة»، لتتساءل الشابة سجى علاء عن دور الجهات المعنية في مثل هكذا حالات.
مخالفات وإجراءات
المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر أوضح في تصريح سابق أن «منح الاجازات لأصحاب المطاعم والمعامل الخاصة بالجانب الغذائي والمأكولات والمشروبات هو جزء من عمل الرقابة الصحية في الوزارة، كما تقوم الفرق الصحية من خلال الزيارات الدورية المفاجئة برصد المخالفات من عدم وجود اجازات صحية وتلف المواد الغذائية ومشكلات التخزين وغيرها، إضافة الى التنسيق مع الجهات الأمنية والبلدية والمحلية عن طريق تشكيل فرق مشتركة لمتابعة المخالفين»، وتابع المتحدث باسم وزارة الصحة بخصوص الإجراءات المتبعة ضد المخالفين والتي تكون بالتنسيق مع الجهات المذكورة سابقا عبر لجان مشتركة، اذ ترافق اللجان الصحية الجوالة افرادا من القوات الأمنية والشرطة المحلية والبلدية في بغداد والمحافظات، ويوضح أن «الفرق الصحية والرقابية تسجل الكثير من المخالفات بشكل يومي على مستوى البلاد، ويتم اتخاذ الإجراءات العقابية حسب نوع المخالفة والتي تتمثل بالانذار والغرامات والغلق المؤقت او الدائمي، ويتم رفع بعض المخالفات ذات الطابع الجنائي للجانب القضائي للنظر في نوع الحكم
فيها».
 
تقصير وإهمال
تسببت ظاهرة تسمم ما يزيد على 500 شخص في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان جنوبي العراق مطلع الشهر الحالي بردود أفعال متباينة بين الناس، اذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالآراء حول المسبب الحقيقي للتسمم، واتهام الجهات المعنية بالتقصير والإهمال، واستبعد جزء منهم أن تكون «الفلافل» هي سبب التسمم او الامراض التي تعرضوا لها، عازين ذلك الى الزيادة في اعداد المرضى بعد اغلاق المطعم المتهم بالحادثة وكذلك وجود حالات تسمم غذائي لاشخاص من مناطق أخرى في المحافظة ولم يتناولوا الطعام في المطعم ذاته، في الوقت الذي اتهم فيه عدد من المهتمين بالشأن، الجهات الصحية والرقابية بالاهمال والتقصير في عملها اتجاه هذه (الاكشاك) والمطاعم الشعبية كون اكثرها لا تمتلك تصريحا من دائرة الصحة، إضافة الى افتقار من يحملون التصاريح الى ابسط شروط الصحة السلامة، منبهين الى أن اتساع نطاق الإهمال وغياب المحاسبة الحقيقية والرقابة يعمل على تمادي أصحاب المطاعم في مخالفة القوانين وبالتالي التسبب باضرار صحية كبيرة للمواطنين.  
 
التسمم الغذائي
يتسبب تناول الطعام الملوث بالجراثيم المعدية بالتسمم الغذائي، اذ يصاب حوالي600 مليون شخص سنويا حول العالم بتسمم الطعام، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وعن كيفية التعامل مع حالات التسمم التي تحصل بسبب تناول الطعام في المطاعم، تقول الدكتورة عبير جاسم مسؤولة الرقابة الصحية في قطاع الصدر «تردنا شكاوى بين الحين والآخر عن حالات تسمم لعدد من الافراد كانوا قد تناولوا وجبة طعام في مطعم، لتقوم الفرق التابعة للرقابة الصحية بالتوجه لمكان المطعم او المحل المتسبب للحالة، لغرض فحص الأغذية ومصادرها واخذ عينات من محل الحادث ثم غلق المحل كاجراء احترازي لحين ظهور نتيجة الفحوصات والتأكد من صحة المعلومات الواردة عبر الشكوى»، وتبين الدكتور عبير بما يخص اعراض التسمم الغذائي، بأنها حسب نوع المسبب للتسمم، والتي تشمل (القيء والحمى والغثيان والاسهال المائي او الدموي وآلام البطن والتشنجات)، وتبين الطبيبة عبير جاسم ان فئات كبار السن والأطفال والحوامل وممن يعانون الامراض المزمنة هم اكثر عرضة للتسمم الغذائي، لاسباب تتعلق بالجهاز المناعي
لديهم.
 
أسعار زهيدة
يعزو أبو علي (65عاما) أسباب اقبال المواطنين بكثافة على المطاعم الشعبية و(الاكشاك) التي تقدم الوجبات السريعة، لما توفره من وجبات غذائية مناسبة تسد جوع الكسبة والعمال وذات اسعار زهيدة، تناسب ميزانية الشرائح الفقيرة ومحدودي الدخل، على عكس المطاعم الكبيرة او الفاخرة التي لا يقل فيها سعر الوجبة المتواضعة عن (30) الف دينار، بينما دعا  أبو علي، الجهات المعنية الى ضرورة متابعة هذه المطاعم وتشديد الرقابة الصحية عليها، كونها تستقطب اعدادا كبيرة من المواطنين من جهة، وتفتقر الى الالتزام بجوانب النظافة الصحية وسلامة العاملين فيها من جهة أخرى، وكذلك أهمية متابعة نوعية الطعام والتأكد من سلامته، على الجانب الاخر تؤكد الدكتورة عبير جاسم «ان جائحة كورونا دفعت الجهات الرقابية والصحية الى تكثيف الجهود في متابعة واجراء الفحوصات اليومية للمطاعم والعاملين بها، اذ تواصل الملاكات الصحية والرقابة الصحية على وجه الخصوص عملها الدؤوب، من اجراءات الفحص وغلق المحال المخالفة وتسجيل الغرامات واتلاف المواد غير الصالحة بشكل يومي، فضلا عن حملات التفتيش الأسبوعية وفي المناسبات
الطارئة».
 
تهديد وضغوطات
الدكتور محمد كاظم عضو الفريق الإعلامي لوزارة الصحة اكد في تصريح لـ «الصباح» تعرض العاملين في مجال الرقابة الصحية الى كثير من حالات التهديد والابتزاز، خلال مزاولة مهامهم، وبحسب الدكتور محمد كاظم لا يوجد تسليط اعلامي منصف على ما تقوم به الملاكات الصحية في اقسام الرقابة الصحية من دور فعال، رغم تعرضهم للتهديد والضغوطات من قبل
المخالفين. 
اذ لا يقتصر عمل فرق الرقابة الصحية على اصدار الاجازات الصحية للمطاعم ومحال تصنيع الأغذية فقط، انما يشمل الزيارات الميدانية اليومية المفاجئة للمطاعم ومحال تخزين اللحوم بمختلف أنواعها وكذلك الرقابة على محال الحلاقة النسائية والرجالية للتأكد من توافر الشروط الصحية فيها والعاملين بها، وكذلك متابعة مشاريع ماء الاسالة ضمن الحدود البلدية لبغداد والمحافظات، عن طريق  اخذ العينات للأغذية والمياه والتأكد من صلاحيتها للاستهلاك البشري، فضلا عن اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المشاريع المخالفة للقوانين والشروط الصحية. 
مبدأ الوقاية
تتطلب سلامة وصحة المواطنين إيجاد آلية عمل مشتركة وفاعلة بين الجهات ذات العلاقة والمتمثلة بالصحة والبيئة ودوائر البلدية في بغداد والمحافظات مع الأجهزة الأمنية والقضائية، اذ دعت منظمة الصحة العالمية الى ضرورة الارتقاء بستراتيجية العمل الخاصة بسلامة الغذاء وحماية المستهلك، وبالتالي يمكن للمؤسسات المعنية بالرقابة الصحية أن تحقق هدفها في تقليل المخاطر بطرق كفوءة تعتمد على مبدأ الوقاية على طول خط سلسلة الإنتاج والتجهيز والتسويق لتحقيق اقصى وقاية للمستهلكين لحماية صحتهم وضمان
سلامتهم. 
اذ من الضروري ادخال مبادئ السلامة والجودة في المنتجات الغذائية ابتداء من مرحلة الإنتاج وانتهاء بالاستهلاك، ما يتطلب اتباع اسلوب شامل ومتكامل يؤدي فيه كل من المنتجين والمصنعين الناقلين والبائعين والمستهلكين أدوارا حيوية في ضمان الجودة والسلامة المهنية، اذ لا يمكن توفير حماية للمستهلكين بمجرد اخذ العينات النهائية وتحليلها، ما لم يتم اخذ التدابير الوقائية في جميع مراحل الإنتاج والتوزيع.
 
وعي المواطن
أهمية اشراك المواطن في القضاء على الممارسات غير القانونية والمخالفات التي تضر بالصحة والسلامة العامة للافراد، عن طريق رفع الوعي الصحي بين المجتمع، اذ نبه المتحدث الرسمي لوزارة الصحة سيف البدر الى أن بعض المواطنين يزاولون العمل من دون موافقات من الجهات المعنية، وهي تكون غير خاضعة للإجراءات والمعايير الصحية، ما تسبب بظهور الامراض كحالات التسمم الغذائي وغيرها، داعيا المواطنين الى الاتصال بالجهات الصحية والرقابية والإبلاغ عن أي ظاهرة او مخالفة، كما تعد ظاهرة الجزارة (القصابة) على الأرصفة والأماكن غير المخصصة لها مخالفة صريحة للتعليمات الصحية التي تسبب التلوث وبالتالي الامراض والاوبئة، داعيا المواطنين الى الإبلاغ عن هذه الحالات غير القانونية في الأماكن غير المخصصة لها وغير الخاضعة للضوابط والشروط الصحية.