قمة غلاسكو تحذّر من تطرف مناخي شديد

ريبورتاج 2021/11/16
...

  فجر محمد
في نظرة يملؤها الحزن والحسرة، وبأدوات زراعية قديمة، كان الحاج ابو ناجي يقف على مشارف حقله الصغير الذي يبدو للوهلة الاولى شبه خالٍ من المنتجات الزراعية، التي كانت في احد الايام تتناثر هنا وهناك على حد وصفه ولكنه في الاعوام المنصرمة بدأ يلاحظ وبشكل كبير كيف انها بدأت بالتناقص، ويقول ابو ناجي بصوت مرتجف: «في ما مضى عندما كنت اعمل مع والدي في حقلنا هذا، كنا ننعم بمختلف انواع الخضراوات والفواكه، اذ يومها لم يكن هناك تغير صارخ في المناخ كما في يومنا هذا».
عشية انعقاد قمة غلاسكو المناخية التي تهدف الى السيطرة على التغيرات في المناخ وباجتماع اكثر من 200 دولة، كانت الاخبار البيئية في البلاد توصف بالمقلقة، بسبب تصريحات وزارة البيئة التي افادت بأن العراق يعد خامس دولة متأثرة بالتغير المناخي، وبحسب الخبراء فان هذه التداعيات الكارثية ستؤثر في الامنين الغذائي والمائي في البلاد.
 
وثائقيات
ليس ابو ناجي وحده من يعيش ويلات تغير المناخ والجفاف، ففي مشهد تلتقط معه الانفاس في شاشة احدى الفضائيات التي كانت تواكب قرية من قرى اوروبا وهي تلتهمها النيران نتيجة ارتفاع درجات الحرارة فيها، اذ كانت الاسر القاطنة في تلك القرى السكنية تبحث عن أي ملاذ يحميها بعد أن فقدت اكواخها الخشبية، كما رصدت الصور والافلام الوثائقية التي عرضت في القمة المناخية بمدينة غلاسكو عددا من الفيضانات التي ضربت انحاء مختلفة من دول العالم مؤخرا والحرائق التي التهمت عددا لا يستهان به من الغابات، فضلا عن السيول التي جرفت منازل وسيارات ومنشآت بشرية، ولم تكن تلك المشاهد سوى جرس انذار وتحذير لما تعانيه الكرة الارضية من تغيرات مناخية.
 
الغازات الدفيئة
مصطلح شاع بشكل كبير في الاعوام المنصرمة، اذ اشار الباحثون بالشؤون البيئية الى أن زيادة استهلاك تلك الغازات ادت الى مشكلات الاحتباس الحراري، وكان هذا ايضا رأي الاكاديمي والباحث الجيولوجي في جامعة بغداد الدكتور صالح محمد عوض الذي بين أن هذه الغازات، فضلا عن العوامل البشرية وطبيعة الارض نفسها، ادت الى الاحماء الحراري الذي يرجح أن من اسبابه الغازات الدفيئة، فضلا عن الاحتباس الحراري المتولد من حرق الوقود
الاحفوري.
وينوه عوض الى أن التدرج الحراري المنبعث من داخل الارض وعبر القشرة بدأ يتزايد بسبب تدخل الانسان في استنزاف الاغلفة الواقية، على سبيل المثال المياه الجوفية والمكامن النفطية واستخراج الفحم من اعماق مختلفة وبمساحات
شاسعة.  
 
عواصف رملية
واشار عوض الى أن العراق من الدول التي تأثرت بالتغيرات المناخية اسوة بنظيراتها المعتمدة على الزراعة، وهذا يفسر كثرة العواصف الرملية التي زادت في الاعوام المنصرمة، بسبب قلة الغطاء النباتي، فضلا عن وجود معامل الجص والطابوق والاسمنت التي تحرر غازات مختلفة من بينها ثاني اوكسيد الكاربون وفلزات ثقيلة، وكذلك انتشار المولدات وتزايد وسائط النقل بشكل لافت للنظر.
 
خطر كبير
حذر عدد من رؤساء الدول المشاركين في القمة، فضلا عن مسؤولين ومختصين في مجال البيئة من اقتراب ساعة الصفر للكرة الارضية، فهم يتوقعون أن التغيرات التي طالت المناخ لن تمر مرور الكرام، ولذلك لا بد من أن تتعهد كل دولة وتلتزم باساليب تقلل من تلك التغيرات، ويجد الناشط والباحث البيئي احمد صالح أن توقيع العراق على اتفاقية قمة غلاسكو ستترتب عليه التزامات معينة، ولكن يؤكد الناشط البيئي أن الدول العظمى والصناعية والمفتقرة لشروط البيئة هي من تتحمل وزر التغير المناخي الصارخ الذي حدث في الاعوام السابقة، لان النشاطات الصناعية اصبحت تخلو من الوعي البيئي، فضلا عن حرق الوقود كلها عوامل اسهمت بتغير المناخ.
حقول خضراء
عندما كنا نستيقظ صباحا انا واولادي نفتح اعيننا على حقول ومساحات خضراء مليئة بالخضراوات والفواكه، يعيد ابو ناجي شريط ذكرياته قائلا :»لقد تربيت على حب الارض والزراعة والمزارع الخضراء، ولطالما كانت الاشجار والازهار رفيقات طفولتي وشبابي، لكن في الاعوام المنصرمة لا سيما عندما تهب موجات الصيف الحارة، ارثي حال تلك النباتات فهي تفقد بريقها الاخضر وتصفر وما تلبث أن
تموت».
الجهات ذات العلاقة اشارت في اكثر من مناسبة الى أن التغيرات المناخية، فضلا عن ازمة المياه كانت وراء فقدان مساحات شاسعة من الحقول والمزارع، وبالتالي اثرت بالعاملين في هذا المجال، وتركتهم فريسة للبطالة وفقدان المأوى.
 
التنوع البايولوجي
اعلن الرئيس الاميركي جون بايدن في قمة غلاسكو، عن خطط جديدة لحماية الغابات والحفاظ على التنوع البايولوجي الذي اصبح هو الاخر في خطر كبير، وبحسب التقارير الواردة من وسائل الاعلام العالمية فان الاتفاقيات التي يجري التوقيع عليها ومصادقتها ستلزم الدول الموقعة على التقليل من استهلاك الغازات الدفيئة، التي ادت بدورها الى زيادة الاحتباس الحراري، مع العلم ان هذه القمة سبقتها قمم اخرى واتفاقيات ومواثيق، ولكنها ظلت حبرا على ورق.
 
أفلام وثائقية
صانع الوثائقيات والصحفي البيئي البريطاني السير ديفيد اتينبرا استعرض مجموعة من الفيديوهات والصور، التي اظهرت حجم الخسائر الكبرى التي بدأت تظهر مع تغير المناخ، كما بين من خلال تلك الافلام والمقاطع المصورة عمليات قطع الاشجار لاسيما المعمرة وتأثيرها في البيئة، اذ كانت بمثابة ملطف للأجواء في
ما مضى.
بينما كشفت المنظمة العالمية للارصاد الجوية عن أن ثقب الاوزون بلغ ذروته في عام 2020 واصبح عميقاً جدا وواضح وبانت ملامحه فوق القطب الجنوبي تحديدا، وقد كانت الوكالة الخاصة بمراقبة الغلاف الجوي والتابعة للاتحاد الاوروبي، قد وضعت مجموعة من الملاحظات التي اكدت نضوب الاوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، ولم تكن هذه التغيرات بحسب الوكالة وليدة اليوم بل تعود الى اكثر من 35عاما، اذ رصد هذا النضوب منذ مدة طويلة، وعلى اساسه عقدت الاتفاقيات واللقاءات للتقليل من هذه المشكلة البيئية الكبيرة.
 
حماية الاوزون
في الاعوام المنصرمة عقدت اتفاقيات ومعاهدات كانت تهدف الى حماية طبقة الاوزون، ومنها اتفاقية مونتريال التي سعت الى التخلص التدريجي من مركبات الكاربون الهالوجينية التي ادت الى زيادة ثقب الاوزون، ورجح خبراء في البيئة وناشطون أن الحظر الذي جرى على هذه المركبات، قد يساعد الطبقة في استعادة عافيتها من
جديد.
 
نشاط شبابي
يقف الشباب اليوم في مواجهة كبيرة مع الدول التي تسببت بزيادة الاحتباس الحراري، فهم يواصلون مسيراتهم واضراباتهم من اجل الدفاع عن هذا الكوكب والضغط على تلك الدول من اجل ايقاف نشاطاتها المضرة بالبيئة، وقد نظمت مجموعة من الشباب الناشطين مسيرات تضامنية تحث قمة غلاسكو على احداث التغيير الفعلي لحماية الارض من التغيرات البيئية والمناخية المتطرفة التي بدأت ملامحها بالظهور في الاعوام المنصرمة، وهناك من قام في عام 2018 باضرابات مدرسية، ومنهم الناشطة السويدية غريتا تونبرج، التي تحاول وباستمرار تسليط الاضواء على المخاطر المحدقة بالكرة الارضية، ووقف الاحتباس الحراري والتغير
المناخي.
 
هجرة
يعتقد خبراء البيئة أن ما يحصل من تغير مناخي سيؤدي الى حدوث ظواهر خطيرة ستؤثر سلبا في التنمية والاستقرار، والأمنين الغذائي والمائي في مختلف دول العالم، وخاصة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية كما انها ستكون احد اسباب النزاعات والهجرة والاضطرابات، وحث الخبراء والناشطون البيئيون على استهلاك الطاقة النظيفة والمتجددة، وايقاف عمليات التجريف وقطع الاشجار بشكل عشوائي، بل دعت غلاسكو الى الاهتمام بالغابات وتكثيفها لاستعادة التوازن البيئي من جديد.
 
الغطاء النباتي
تعهد اكثر من 100زعيم عالمي بقمة غلاسكو بتوفير اموال طائلة لتشجيع الاستثمار في حماية الغابات واستعادة الغطاء النباتي، وسيكون حجم الغابات المغطاة قرابة 21مليون كيلو متر مربع، ووفقا لمعهد الموارد العالمية إن الغابات تمتص نحو 30 بالمئة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون من الغلاف الجوي بما يحول دون تسببها في زيادة درجة حرارة
الارض.
وبحسب مبادرة (جلوبال فورست ووتش) المعنية برصد إزالة الغابات والتابعة لمعهد الموارد العالمية فان العالم فقد ما يقارب الـ 258 ألف كيلومتر مربع من الغابات في عام2020، وهذه أكبر من مساحة المملكة المتحدة، ومن اجل مواجهة التغييرات المناخية تعهدت 12دولة من بينها بريطانيا بتقديم ما يقارب الـ 8.75 مليار جنيه إسترليني (12 مليار دولار) من الأموال العامة بين 2021 و2025 لمساعدة الدول النامية في استعادة عافية الأراضي التي تعرضت لانحلال التربة والتصدي لحرائق
 الغابات.