تغيير المناهج الدراسية كابوس يلاحق الطلبة

ريبورتاج 2021/11/17
...

  احمد الفرطوسي
يعد التعليم من أهم أركان بناء الدولة القوية في العصر الحديث، وذلك من خلال رفد هذا الكيان برجالات العلم والمعرفة في جميع الاختصاصات الحياتية، وهذا يأتي بالدرجة الأساس من جودة المناهج واستقرارها، ولكن يختلف الحال عندما يتم التغيير بصورة مفاجئة، من دون الأخذ بنظر الاعتبار الظروف العامة التي يعيشها البلد، في حين أن الطالب يتأثر بهذه الظروف، خاصة ان قطاع التعليم يعاني الكثير من المشكلات، ومنها قلة البنايات المدرسية، ونقص الملاكات التدريسية في بعض الاختصاصات، فكانت عملية التغيير غير مجدية، بحسب رأي متخصصين؛ ولتسليط الضوء على هذه القضية، كانت لـ “الصباح” هذه الوقفة مع أصحاب الشأن.
 
عملية سريعة وارتجالية
قال مسؤول اعلام تربية المثنى عباس الزيدي في حديثٍ لـ «الصباح» إن «عملية تغيير المناهج تسببّت في خلق إرباك كبير للطالب والمدرس وحتى الاسرة، وهي بدون دراسة ونستطيع أن نقول إنها فوضوية»، مضيفاً «إن تبديل المناهج لا يتم بشكل مفاجئ، وإنما بصورة تجريبية في البداية، إذ يتم اختيار عينة كتجربة، وفي حال نجاح هذه التجربة على العينة وتفاعلت مع المناهج الجديدة، يصبح من الممكن تعميمها على المدارس». وتابع «أما أن تكون عملية سريعة وارتجالية، تخضع في كل عام دراسي للتغيير، فهذه في الحقيقة تعتبر (كارثة)، لا تخلو من بعد سياسي»، متسائلاً «هل يعقل أن التلميذ توضع له في المنهج مسألة رياضية معينة لا يستطيع حتى المدرس حلها؟، وأنا أعتقد أصلاً، إن الذي وضع تلك المسألة لا يستطيع حلها أيضاً»، وأشار إلى أن «هذا الإرباك العام، ساعد على تراجع مستويات نسبة التعليم في عموم المحافظة».ويرى في هذا الجانب أنه «كان الأولى بوزارة التربية أن تقوم بإدخال المدرسين في دورات تطويرية علمية، وكذلك في طرائق التدريس»، منوهاً إلى أننا «في المحافظة ننتظر الاجتماعات الدورية مع مديرية التربية، لمناقشة الإجراءات التي تم اتخاذها بهذا الصدد». 
 
إرباك كبير
بينما قال المشرف التربوي سعد كاظم لـ «الصباح»: كان لدينا تنسيق مع لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب العراقي السابق، حول هذا الموضوع الذي أحدث إرباكاً كبيراً لدى عموم الطلبة والتلاميذ، مبينا «أن القضاء على هذه المشكلة يحتاج إلى عملية تنسيق عالية بين لجنة التربية والتعليم البرلمانية، ونقابة المعلمين، ووزارة التربية، لكي تكون العملية مدروسة، وتأخذ بنظر الاعتبار المستوى العلمي للطالب والمدرس، وكذلك الأمور الفنية الأخرى». ويرى كاظم انه «يفترض بوزارة التربية العراقية أن تخصص المبالغ التي انفقتها على تبديل المناهج الدراسية، لبناء مدارس جديدة أو لحل مشكلة البنايات التي أحيلت لوزارة الصناعة والمعادن، والتي لم تحسم لغاية الآن»، لافتاً إلى «أن هذا الملف من الملفات التي ألحقت ضرراً كبيراً بالعملية التعليمية في العراق، إذ تم هدم الكثير من المدارس، ولم يتم تقديم البديل؛ فواقع التعليم في السماوة مزرٍ، نتيجة عدد التلاميذ الكبير في الصف الواحد، ونقص الملاكات في بعض الاختصاصات، إضافة إلى تهالك الأبنية المدرسية».
 
أبعاد سياسية
من جانبه، قال نقيب المعلمين في المثنى، علي حسين ناصح، لـ «الصباح» إن النقابة مع تطوير وتحديث المناهج التعليمية لجميع المراحل الدراسية، لكي تواكب عملية التطور التربوي مع بلدان العالم وخاصة البلدان المحيطة بالعراق ومنها البلدان العربية»، مشيراً إلى أن «الهدف من تطوير المناهج هو الانعكاس على بناء البلد بشكل عام». واستدرك «لكن عملية تحديث المناهج في وزارة التربية بين مدة وأخرى، هي عملية فوضوية غير مدروسة ولها أبعاد سياسية كبيرة، إذ ان عملية إعادة طبع المناهج، تتم في مطابع خاصة تعود لـ (جهات سياسية) متنفذة داخل الوزارة، وبالتالي تحصل على مبالغ مالية كبيرة»، مضيفاً «إن مواضيع المواد الدراسية لا تتناسب مع مستوى إدراك الطالب أو التلميذ، وبالتالي تكون هذه المادة ثقيلة على عقلية الطالب وكذلك المدرس في الوقت ذاته». وتابع القول «وأحيانا تكون عنصراً طارداً للطالب من المدرسة، وبالتالي، فإن العملية التعليمية في العراق فقدت جدواها، باعتبار أن الطالب لا يستطيع الاستمرار في الدراسة، فضلاً عن أن عملية التطوير، يجب أن تكون شاملة لكل أركانها، وهذا التطوير، يجب أن يكون مدروساً وقائما على أسس علمية مدروسة»، مبيناً «يجب تأهيل المدرس من خلال زجه في دورات تطويرية علمية وتربوية، لكي يستوعب المادة أولاً، وبالتالي ينقلها إلى الطالب بشكل سلس، وأيضا يجب على التربية توفير الأمور الفنية اللازمة التي تسهل فهم الطالب للمواد الدراسية».
 
قرارات عشوائية
وفي  السياق ذاته، يرى مدرس اللغة العربية، سعد جاسم أن «أغلب القرارات الستراتيجية التي تتعلق بالمجال الدراسي، تتخذ بشكل عشوائي، وهذه العشوائية لها الأثر الكبير في المستوى القريب والبعيد» مضيفاً «أنا مدرس لغة عربية، وعندي ولدان يدرسان في الصف الثاني والثالث المتوسط، ويعانيان كثيراً من ضعف استيعاب مادة الرياضيات، لأن المناهج صعبة ولا تتوافق مع مستوى إدراك الطالب، وبالتالي تكون عبئاً على عقله، ما يضطرنا نحن الأهل الى اللجوء للتدريس الخصوصي». 
وأشار إلى أن «ولي الأمر مضطر لإرسال أبنائه للدروس الخصوصية، بسبب وقتها الكافي لتدريس المفردات الدراسية، وعدد الطلبة قليل جداً والعملية تكون أكثر فائدة للطالب»، مستدركاً «لكن الدرس الخصوصي مكلف، وهو ثقيل على كاهل الاسرة، ولا توجد وسيلة أخرى غير ذلك، أو أن يضطر الطالب للجلوس في البيت»، وتابع القول «المفترض بالشخص الذي أصدر فكرة تغيير المناهج أن يأخذ بنظر الاعتبار عدد البنايات المدرسية، التي يحتاجها العراق، وعدد الطلبة في الصف الواحد ومستوى الجانب الصحي للطلبة في الصف»، متسائلاً «هل  الظروف العامة في المدرسة نموذجية لاستيعاب عملية التغيير في المناهج، وكان الأجدى بهذه الأموال التي بعثرت أن تصرف على بنايات جديدة، ومختبرات علمية، والاهتمام بالصحة المدرسية، بدلاً من عمليات تغيير للمناهج التي تزعزع ثقة الطالب في التعليم أصلاً».
 
إعادة نظر
من جانبه قال طالب الدراسة الثانوية، مصطفى ميثم كريم «أنا طالب في الصف الثالث المتوسط، ونعاني من دراسة مادة الرياضيات برموز باللغة الانكليزية، ما يصعب علينا فهم المادة العلمية، ولو كانت باللغة العربية لكان أفضل، فضلاً عن أن الواجبات البيتية تكون صعبة»، مضيفاً «إن والدي لا يستطيع أن يساعدني في إتمام الواجبات المدرسية، أما في السابق، فاستطيع أن أستعين بأحد أفراد اسرتي لإنجازها». ودعا الجهات المعنية في المحافظة إلى «ضرورة مخاطبة الجهات العليا والضغط عليها، بغية إعادة النظر بمسألة تغيير المناهج الدراسية».